د. أحمد زايد يكتب: خاطرتان عند التأمل في الهجرة الشريفة
الأولى: لقد كانت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم حدثا عظيما تجلى فيها معنيان:
الربانية: حيث (إن الله معنا) (فأنزل الله سكينته عليه)
والإنسانية، الذي يظهر في خطة محكمة وأخذ كامل بالأسباب، ولو أنه صلى الله عليه وسلم ظن أنه بمجرد النبوة دون أخذ بالأسباب أنه سينجو لما نجا، ولكان ذلك مخالفا لسنن الله تعالى، ولا تزال الهجرة لهذين المعنيين معينا لمعاني متجددة لكل حركة أو جماعة تريد أن تقيم دولة أو نهضة كالتي أعقبت الهجرة وكانت إحدى مقاصدها العظمى.
الثانية- لم تكن عظمة الهجرة كامنة فقط في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بمعزل عن تضحيات المهاجرين، فإن فلسفة الإسلام تجعل العظمة والبطولة الحقيقية ليست قاصرة على صنيع القائد فقط، كما يزعم توماس كارلايل في كتابه (الأبطال وعبادة البطولة)، كما لا ترجع البطولة إلى الفرد ذي النفوذ الطاغي كما يرى (سدني هوك) في كتابه (البطل في التاريخ) ولا تصنعها الشعوب وحدها دون قيادتها كما يزعم دعاة الليبرالية وإنما البطولة في المفهوم الإسلامي تشترك في صناعتها أمة بقادتها وجنودها، بالتابع والمتبوع معا، وهذا ما تم في الهجرة الشريفة، فالتضحيات التي قام بها المهاجرون تضحيات بطولية تفوق الوصف، ولذا جاء حديث القرآن عن المهاجرين (الصحابة الكرام) أكثر من الحديث عن المهاجر العظيم (محمد صلى الله عليه وسلم).
فلا ينبغي أن نهمل دور المهاجرين عند تناول حديث الهجرة.