د. أحمد زكريا يكتب: بداية السقوط
وحديثي ليس عن بداية السقوط لدى الأفراد، بل حديثي عن الحركات على اختلاف عقائدها سواء كانت دينية أو وطنية أو قومية أو غير ذلك.
وأعتقد أن إرهاصات السقوط والتي تظهر في سلوك بعض الحركات العاملة في المشهد المصري هو تركيز جل جهدها على تسليط الضوء على أخطاء الآخرين، مع عدم القدرة على طرح رؤى ومشاريع نهضوية لتغيير الواقع المر، بل صارت أجندتها قائمة على التشكيك والتخوين والتفتيش في النوايا، وإلصاق كل ما حدث وربما كل ما سيحدث ببعض الحركات في الساحة!
وهذا يدل على الخواء الفكري، والعجز السياسي، بل صار هدف البعض: النقد للنقد، حتى تحول إلى نقض (بالضاد) وهدم وتشويه، وهل بهذا يتغير الواقع، أو يتحقق تغيير؟!
تحولت بعض الحركات إلى مجرد خنفساء تبحث عن النقائص في الآخرين سواء بقصد أو بغير قصد.
فتحول البعض إلى قوم يتصيدون الأخطاء، ويشوهون النجاحات، وما أشبه بعض هذه المنظمات والحركات في عصرنا بالخنفساء، فلا يعلو صوتها إلا على الأخطاء، ولا تضع في حسبانها إلا ما يطعن في عرض المجتمع وشرفه، ويؤجج الفتن بين أطيافه.
أما الصلاح والخير، فالخنفساء لا تراه أصلًا، فضلًا عن أن تنشره أو تثمنه، وترفع من قيمته.
وأخطر شيء أن يوجد ذلك في التيار الإسلامي، فكلما كثرت الخنافس كلما كثر الطعن في العلماء، والتجريح في المشايخ والدعاة.
إن الخنفساء لا تعرف سلامة الصدر، وحسن الظن، والتماس المعاذير، ومعرفة الفضل لأهل الفضل.
إن الخنفساء لا تأبه للقاعدة النبوية الجليلة:( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، بل هي تنقب وتجهد نفسها في البحث ليرى زلة لعالم، لا ليغفرها وينصح له، بل ليذيعها وينشرها، فهو لا يعيش إلا في الأوحال والزلات والمعايب.
إن الخنفساء جاحد للمعروف ناكر للجميل، ما أسهل أن يعض اليد التي أطعمته زمانًا، وأحسنت إليه دهرًا، وتسببت في تفريج كربه عمرًا.
ولابد للتيار الإسلامي إذا أراد النجاح والفلاح أن يضع هذه الخنافس في مكانها الطبيعي، وأن يطئها بقدمه، إن لم ترجع عن الدونية والحقارة، ولا تقدم أبدًا وحقها التأخير، ولا ترفع وحقها الوضع، لأنها سوس عفن ينخر في الجسد، ولا يتوقف حتى يأتي على جميع الجسد، ويخلفه وراءه أطلالًا بالية، وأثرًا بعد عين.
فلا تكن رديء الطبع مثلها، فإنها إذا دُفِنت في الورد ظلت ساكنة ولم تتحرك، فإن أعيدت إلى الروث رتعت.
والأصل أن تكون الحركات والجماعات نحلا يجمع الخير ويمتص الرحيق ليخرجه عسلا صافيا فيه شفاء للناس، يغير به أوضاع مجتمعه، ويملك القدرة على طرح الحلول الواقعية لإخراج المجتمع من حالة التيه الذي نعيش فيه، وكل ذلك لن يحدث وبعضنا يتربص ببعض، وبعضنا يتمنى إحراق وتشويه البعض.
لن نكون بصدق رقما على الأرض إلا إذا تخلينا عن روح الخنفساء البغيضة، وتشبهنا بروح النحلة الطاهرة المثابرة التي لا هم لها إلا تحقيق النفع والخير للجميع.