مقالات

د. أحمد شحروري يكتب: درس في اليقين

بعد شهرين من انهيار البيت فوق ساكنيه إثر قصفه بصاروخ أعمى انتُشلت امرأة مسنة من تحت أنقاضه وهي على قيد الحياة. شهران لا ندري ما قيض الله لها فيهما من أسباب الحياة، لكنها لم تمت من دون بقية السكان!!

وهذه الحادثة ليست فريدة طوال أربعة أشهر من الدمار الذي وزعه العدو على أحياء غزة وحاراتها، فقد انتشلت طفلة من تحت أنقاض أربعة أدوار بعد ثلاثة أيام من انهيارها، والقصص أمثالها لا تحصى.

في مثل هذه الأخبار جواب مفحم لكل من يظن أن طوفان الأقصى قد عرض حياة الناس للخطر، فمن كتب عليه الموت مات ولو كان في فراشه آمنا من كل خوف أو خطر، ومن له من العمر بقية لم يقتله مرض ولا زلزال ولا عدو خارجي، حقيقة تكلم بها القرآن العظيم وحج بها المنافقين الخائفين من الموت {یَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَیۡء مَّا قُتِلۡنَا هَـٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِی بُیُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِینَ كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِیَبۡتَلِیَ ٱللَّهُ مَا فِی صُدُورِكُمۡ وَلِیُمَحِّصَ مَا فِی قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ}.

 

إن من ملك هذه العقيدة هو الحي، ومن خاف الموت في كل حدث من الأحداث أو صيحة من الصيحات فهو الميت الذي لا يعرف أن معنى الحياة الحقيقية يكمن في الإيمان بأن العمر محدود وأن هذه الحياة الدنيا هي مقدمة الحياة الحقيقية الأبدية في الآخرة، وأن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه فأكرم وفادته وأعلى منزله، ومن كره لقاء الله فآثر حطام الدنيا وعاش حياته ذليلا عبدا لأجَلِه كره الله لقاءه ووكله إلى سوء عمله ونيته.

ولقد خلد التاريخ كلمة أبي بكر رضي الله عنه لجنده وهو يودعهم خارجين للقتال: (احرص على الموت توهب لك الحياة)، فلا حياة من غير تدافع بين الخير والشر، والموت والفناء يكمنان في سيادة الشر وقانونه في الوجود، فمن دنا أجله فهو ليس بحاجة إلى معركة تقتله، ومن كان من أهل الحياة فلا يضيره لو خرّ من السماء فستضمه أرض حنونة، وصدق الشاعر:

أي يومين من الموت أفرّ؟

يوم لا يُقدر أم يوم قدر؟

يوم لا يُقدر لا أرهبه.

ومن المقدور لا ينجو الحذِر

بهذه العقيدة وبهذا اليقين بعث أبطال المقاومة طوفان الأقصى فأغرقوا أحلام الصهاينة بغد آمن على أرض فلسطين ودرتها القدس والأقصى، وبهذا اليقين نرتل آية كريمة كتبت شهداءنا في الأحياء ونفت عنهم الموت: {وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ یُرۡزَقُونَ}.

أيها المتلبسون بشبهة حياة: هذه هي الحقيقة ، فإما أن تلحقوا بركب الأحياء أو فإن الزوال حليف كل من اختار الهوان:

ليس من مات فاستراح بميْت

إنما الميْت ميّت الأحياءِ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights