مقالات

د. أسامة الأشقر يكتب: فرصة بركة!

من طرائف ما كانَ أنّ بعضهم رآني كثير المشي، ويسألني مقدار المسافة التي أمشيها كل يوم؟

قلت: أمشي مقدارَ البقرة أو آل عمران غاديا، وأروح مقدار النور أو الفرقان، هذا في المسافات العادية!

وأما في المسافات القصيرة فإنني أمشي قدر 6000 تسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة!

فعجب من كلامي، فقلت له تجربةً:

لو سبحتَ ثلاثاً وثلاثين، وحمدت الله مثلها، وكبّرت مثلها، وجعلت كل جملة منها خطوة، وجعلت لكل خطوة تخطوها قدر مسطرة أيْ نحو 30 سم فإنك تكون قد مشيتَ نحو 30م في كل مائة من هذا الخطو؛ وقد حسبتُ أنني في كل تسبيحة خاشعةٍ أمشي نحو أربع خطوات، وفي كل تحميدة نحو خمسة، وفي كل تكبيرة نحو خمسة، وذلك على قدر المقاطع الصوتية فيها، وإذا حسبنا الوقت لهذه الأذكار مع الخطوات فسترى أنك تمشي ذاكراً كثيراً، فاحسبوها تروا عجباً !

ولكنك إذا شرعت في مقدار البقرة أو آل عمران من حفظك فإنك تصل قبل حسابك، وذلك أن المرء الذاكر الخاشع يشعر أن الأرض تُطوَى له إذا استغرق في ترديد كلام الله في صدره، وكأن سحابةً بيضاء تحمل قدميه، وتترحّل بهما صوبَ غايته، فلا يرى نفسه إلا قد وصل.

ومما أذكره أنني كنت قبل أكثر من ثلاثين عاماً متوجهاً من بيتنا إلى مسجد سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فأدركني الوالد -رحمه الله- أوّل الطريق بسيارته ليحملني معه إلى الحرم فاعتذرت له أنني سأراجع وِردي اليومي في طريقي، وكان بيتنا بعيداً جداً، والطريف أنني لقيتُ الوالد في موقف السيارات عند الحرم، فغضب مني -رحمه الله- لأنه ظنّ أنني ركبت مع غيره، ولم أستطع حينها أن أشرح له سبب ذلك، لأنني لم أكن أعلم سبب ما حصل، والعجيبُ أن ذلك كان في شدة لأواء الحرّ وسطوة الشمس ولم يكن ثمّة عرقٌ أيضاً؛ وعلى كل حال فإنها مرة واحدة أذكرها ولا أعرف غيرها، فلربما صادف ذلك موسم بركة، أو دعوة صالحة من أمي رحمها الله، والشاهدُ أنني أدركتُ حينها أن ذلك ممكنٌ لو شمّر له المرء قلبه.

د. أسامة الأشقر

مؤرخ وروائي فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى