د. أنور الخضري يكتب: إخوة يوسف الشرع والمخلافي
بعد أن تمكَّن أحمد الشرع، أبو محمَّد الجولاني سابقًا، مِن تحرير دمشق، والإمساك بمقاليد السلطة في سوريا، وأصبح بالأمس رئيسًا للجمهورية، بات الشرع محبوبًا وممدوحًا ومطلوبًا ومرغوبًا مِن قبل السوريين، وهو الذي لقي مِن الكثير مِنهم جحودًا ونكرانًا واتِّهمًا، ربَّما في بعضها بحقٍّ ولكنَّها في الغالب كانت نتيجة جحود أي مجتمع للمتصدِّر فيه، ونتيجة حسد المنافسين وحقد الخصوم. أمَّا اليوم فإنَّ الكثير تحوَّل لمدحه والإشادة بشخصه وحنكته وحكمته!
هكذا هم الناس يجحدون نضالك وجهدك في الابتداء، فإذا فزت ونجحت وتمكَّنت قاموا لك وقوفًا يشيدون ويمدحون!
وهذه الحكايات المتكرِّرة شبيهة بحكاية يوسف -عليه السلام؛ ففي كلِّ شَعبٍ وشِعبٍ يُوسف، ومع كلِّ يوسف يولد إخوة له، يجحدون مكانته وأهليَّته وسبقه وخيريَّته، ويحاولون القضاء عليه أو تعويق صعوده وتقدُّمه.
ولا يغرَّكم اليوم ما يقال في أحمد الشرع، فقد قيل فيه فوق ما قاله مالك في الخمر، واتُّهم وخوُّن، حتَّى مِن إخوة الهم والقضية وشركاء النضال والثورة.
الشيخ حمود المخلافي
في اليمن، هناك شخصيَّة يمكن مقارنتها بأحمد الشرع، وهو الشيخ حمود المخلافي، الرجل الذي برز في ثورة 11 فبراير 2011م، إلى جانب الثوَّار يحمي ظهورهم ويساند ثورتهم،
ثمَّ تصدَّى هو وأبناءه وقرابته وقبيلته وأبناء مدينة تعز لجحافل مليشيا جماعة الحوثي وقوَّات «صالح» التي أرادت إخضاع تعز لانقلاب 21 سبتمبر 2014م الآثم،
والذي أدخل اليمن في دوَّامة مِن الصراعات والحروب والعنف. وظلَّ في ميدان المعركة يتقدَّم الصفوف ويواجه المخاطر، ويتسلَّح بما يمكنه مِن العتاد والرجال،
حتَّى جرى خيانته والغدر لإخراجه مِن اليمن مِن قبل دولتي «التحالف العربي»، السعودية والإمارات، لتعطيل جهود التحرير والمقاومة الشعبية.
الشيخ حمود المخلافي رجل يحمل همَّ وطن، ومسئولية قضية، فرغم إخراجه وتقديم العروض له سعى للانفكاك مِن أي قيود تفرض عليه،
وكان وفيًّا ونبيلًا مع الرجال الذين ثبتوا معه في المعركة، ومع أهالي الشهداء، ومع الجرحى والمعاقين،
فتحمَّل مسئولية مد يد العون لهم في الوقت الذي تجاهلت فيه الحكومة الشرعية واجبها ومسئوليتها تجاه أبناء الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، بمختلف تصنيفاتهم.
بناء المقاومة الشعبية
تحرَّك الشيخ حمود المخلافي ليعيد بناء المقاومة الشعبية ويشكِّل كيانها في مظلَّة واحدة، حتَّى أسَّس المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية،
وكان يسعى لتحريك الجبهات لولا ضغوط وعقبات وتحدِّيات وتهديدات تنصبُّ على الرجل مِن جهات عدَّة،
فضلًا عن انشقاق الصف الجمهوري واليمني بفعل الدعم النجس الذي تقدِّمه دولتي «التحالف العربي» لكيانات مسلَّحة بهدف طعن أيِّ تقدُّم ومشروع وطني تحرُّري.
حتَّى جرى حصار منطقة تعز مِن جميع الجهات، بقوَّات موالية لدولتي «التحالف العربي»، وتعويق ايِّ مدد للمقاومة الشعبية.
لقد وجد الشيخ حمود المخلافي جحودًا ونكرانًا واستهزاءً وتشويها مِن كثير مِن اليمنيين في الداخل والخارج،
ومصدر هذا كلِّه إمَّا الخلاف معه على مستوى الانتماء المناطقي أو الحزبي،
أو العمالة لأجندات خارجية ما فتئت تشتري الأقلام والألسن والمنابر لتشويه رجال وأبطال اليمن، شمالا وجنوبًا، بل وتغتالهم إن تمكَّنت مِن ذلك.
فضلًا عن ذلك، فإنَّ عادة اليمنيين تقوم على المنفعة والفائدة والغنيمة،
فمَن وجد مِن الشيخ عدم تجاوب لمطالبه ورغباته شنَّ عليه حملة مِن الاتهامات وكال له السباب والشتائم.
علمًا بأنَّ الشيخ كريم النفس، داعم ما يراه يخدم قضية الوطن، ومصالح الشعب، وتنمية المجتمع،
وقد سعى في كثير مِن المشاريع الإنسانية والخيرية لأبناء منطقته ابتداء، وهذا أمر طبيعي،
فمن لا خير فيه لأهله لا خير فيه للناس، والأقربون أولى بالمعروف.
إشعال وقود المقاومة
وخلال سنوات عديدة، ظلَّ الشيخ متواصلا مع النخب اليمنية المختلفة، بكلِّ أطيافها،
لإشعال وقود المقاومة وتحريك الجبهات وكسب المواقف المشرِّفة،
ولكنَّ كثيرًا مِنها كانت دون مستوى الوطن والقضية والآمال، غارقة في مطامعها وأجنداتها، تطلب الفيد والغنيمة،
لأنَّها تعوَّدت أن تقبض الثمن لمواقفها!
ورغم المودَّة التي يحظى بها الشيخ حمود بتركيا، إلَّا أنَّه يعيش بروحه في اليمن، وتعيش في همومه واهتماماته اليمن،
وقد ترك رغم كلِّ الدعوات السعي للتجنُّس أو تجنيس أهله ورفاقه ومعارفه، لأنَّ مبدأه أنَّ مَن تجنَّس سيفقد الرغبة في العودة وحمل القضية.
الشيخ حمود المخلافي لا يقلُّ فعلًا ونشاطًا، وصدقًا وإخلاصًا، عن أحمد الشرع، فضلًا عن كونه يحمل تاريخًا ناصعًا وسيرة خيِّرة،
وبإمكانه أن يكون محرِّر صنعاء وقائد التحرير على مستوى اليمن كاملًا، لكنَّ «إخوة يوسف» لا زالوا يكيدون له،
ويحاولون إفشال جهوده ومنعه مِن بناء قدرات المقاومة الشعبية التي يرأس مجلسها الأعلى.
أقول هذا وأنا على يقين مِن أنَّ المخلافي، كالشرع، له أخطاءه، وعنده اختلالاته،
ومِن منَّا الإنسان الكامل الخالي مِن العيوب ومِن الأخطاء،
خصوصًا إذا تحمَّل مسئوليَّة معقَّدة مركَّبة، وبات رمزًا تحوم حوله فئام الناس، الطيب والخبيث والصادق والمتملِّق والمناضل والمتسلِّق.
الشيخ حمود المخلافي القائد المخلص
الشيخ حمود المخلافي، لو أراد اليمنيون فعلًا أن يتحرَّروا، يمثِّل شخصية التحرير، ورمز البطولة والتضحية، وقائد المعركة المخلص.
وهذا لا يعني بالضرورة أيضًا أن أرشِّحه للرئاسة بعد التحرير، على النمط السوري،
ولكن أن يبقى في صدارة المشهد عقب التحرير اعترافًا بجهده ونضاله.
أمَّا امتداح النموذج السوري والإشادة به مِن قبل اليمنيين في حين أنَّهم يرمون كل «شرع» لديهم بالمسبَّة والطعن والتهم،
تلبية لما في صدورهم مِن حسد أو حقد أو مطمع، فلن يتحرَّر لهم وطن، لأنَّ مَن لا يعين نفسه لا يتبرَّع الآخرون بإعانته.
أما وقد بات هناك مجلس أعلى للمقاومة الشعبية،
وهناك رأس يمكن أن يلتفَّ حوله اليمنيون، يعرفون نضاله وتاريخه، وأثره في الواقع، فإنَّ عليهم ألَّا يلتفتوا للكلام الفارغ والتحريش الشيطاني.
وإنَّ وضع اليمن أيسر مِن وضع سوريا، وتحريرها أقرب للتحقُّق لو اتَّحدت الصفوف وجرى تجاوز الخلافات.
فإذا برز «يوسف» سيعترف إخوته: والله لقد آثارك الله علينا وإن كنَّا لمخطئين.