مقالات

د. إبراهيم التركاوي يكتب: ليس غير الله يبقى (2)

د. إبراهيم التركاوي.. كاتب وباحث في الفكر الإسلامي

«ليس غير الله يبقى»، حقيقة ثابتة مقطوع بها، فيها صبرٌ وسلوى لكل مَن ذاق آلام الفقد والفراق؛ فحسب الإنسان المؤمن بقاء الله من كل ميتٍ، وحسبه ثواب الله من كل هالكٍ..

فماذا فقد مَن وجد الله؟! وماذا وجد مَن فقد الله؟!

مَن فقد الله فقد كل شيء، ومَن وجد الله وجد كل شيء، والله الحي الباقي – سبحانه – أحب إليه من كل شيء..

حُكي أنه “مات لبعضهم ابن فبكى حتى عمي، فقال بعضهم: الذنب لك حيث أحببتَ حيًا يموت، هلَّا أحببتَ الحيَّ الذي لا يموت، حتى لا تقع في هذا الحزن”.

فلا ينبغي أن تتعلق القلوب بمَن يطويه الفناء حتى ولو كان من الملائكة أو من الأنبياء.. لمَّا مات رسول اللهﷺ تقطَّعت القلوب، وذهلت العقول، يقول أنس رضي الله عنه: ما رأيت يومًا قط كان أحسن ولا أضوأ من يومٍ دخل علينا فيه رسول ﷺ، وما رأيت يومًا قط كان أقبح ولا أظلم من يومٍ مات فيه رسول اللهﷺ!

المصيبة أذهلت عقول الأشداء من الرجال، حتى وقف عمر بن الخطاب وقد أخرجته الكارثة عن وعيه يقول: إن رسول الله ﷺ ما مات؛ لكن ذهب إلي ربه، كما ذهب موسي بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات!

بينما هم كذلك وقف أبو بكر الصديق في يقين وثبات، يقول: أمَّا بعد، مَن كان يعبد محمدًا، فإنَّ محمدًا قد مات، ومَن كان يعبد الله فإنَّ الله حي لا يموت. ثم تلا قوله تعالي: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].

فهدأت النفوس وسكنت القلوب. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: والله لكأنَّ الناس لم يعلموا أنَّ الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقَّاها الناس كلهم، فما أسمعُ بشرًا من الناس إلا يتلوها.

وتلقَّى الصحابة رضي الله عنهم الدرس – عمليًا – بعد أن تلقَّوْه من قبل – نظريًا – في قرآن يُتلى، في قوله تعالي: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..}، وتذكَّروا أنَّ الحياة لا تبقى لأحد، فليس غير الله يبقى، ولا تقف لموت أحد، ولو كان رسول الله ﷺ؛ فمضوْا – بإيمانهم- يعمرون الأرض، ويصنعون الحياة؛ حتى أقاموا حضارة أدهشت العالم كله!

إنها مسيرة الرجال الكرام الأطهار، كلما غاب منهم كوكب طلع كوكب آخر..

ولله درُّ مَن قال:

إذا مات منا سيدٌ قام سيدٌ.. قؤولٌ لِما قال الكرامُ فعولُ!

موضوعات ذات صلة: ليس غير الله يبقى (1)

د. إبراهيم التركاوي

كاتب وباحث في الفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights