د. إبراهيم التركاوي يكتب: ليس غير الله يبقى (5)

ليس غير الله يبقى، سبحانه! مَن توكَّل عليه كفاه، ومَن استغنى به أغناه؛

فهو العوض عن كل فائت، والأنيس لكل فاقد، والأمان لكل خائف..

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دونِهِ وَمَن يضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}

[الزمر:36].

إنَّ الله تبارك وتعالى إذا تولَّى عبده، خلَّصه من الافتقار إلا إليه، وما جعل لأحد من الأقربين أو من الأبعدين يدًا عليه،

فليس عبثًا أنْ يجرِّد الله أنبياءه من الاعتماد إلا عليه، ومن الاستعانة إلا به، ومن الرجاء إلا فيه، سبحانه!

لقد نشأ نبيُّ الله يوسف -عليه السلام- بين أحضان أبيه وإخوته، فما أغنوْا عنه شيئًا، بل كان إخوته هم أسّ بلائه ومصدر محنته؛ إذ قالوا:

{اقْتُلُواْ يوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}

[يوسف:9].

فلم يبقَ لنبيِّ الله يوسف – وهو في ظلام الجبِّ ووحشة الصحراء، بعد ما تآمر عليه إخوته وألقوه في غيابة الجُبِّ – غير الله!!

{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}

[يوسف:15].

ولم يبقَ لنبيِّ الله موسى –بعد ما فارق صدر أمه إلى صدر الأمواج الهائجة المائجة– غير الله!!

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أمِّ موسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمرْسَلِينَ}

[القصص:7].

ولم يبقَ لنبيِّ الله محمد اليتيم ﷺ – الذي فَقَدَ حنان أبيه الذي لم تَسعد عيناه برؤيته، وماتت أمه وهو لم يتجاوز السادسة من عمره – غير الله!!

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى}

[الضحى:6-8].

إنَّ الذي أوحى ليوسف – وهو في غيابة الجُبِّ – هو الذي قال لموسى:

{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39].

وقال لحبيبه محمد ﷺ: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور:48].

«ليس غير الله يبقى»

كانت ولا تزال بلسمًا لجروح المرهقين المُتعبين، ومادةَ سلوى وسكينةٍ لكل مَن سلك طريق الأنبياء والصديقين؛

فإنَّ الذي جعل من مِحن يوسف المتلاحقة منحًا وتكريمًا، والذي جعل لموسى من الأمواج الهائجة المائجة ملجًأ ومنامًا،

والذي جعل من يتم محمدٍ إيواءً وهدايةً وإغناءً، قادر على أن يجعل لعباده المخلصين -في كل زمان ومكان- من كل ضِيقٍ مخرجًا،

ومن كل فقرٍ غِنىً، ومن كل ذلٍّ عزًّا، ما استقاموا على أمره، وتفاعلوا مع سننِه وهديه!

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3].

موضوعات ذات صلة:

ليس غير الله يبقى (1) ||ليس غير الله يبقى (2)

ليس غير الله يبقى (3) || ليس غير الله يبقى (4)

د. إبراهيم التركاوي

كاتب وباحث في الفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights