مقالات

د. حاكم المطيري يكتب: الحقيقة المفزعة!

القوى العميقة في الحركة الإسلامية -كما الأحزاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي في ظل النفوذ الغربي- هي في حقيقتها امتدادات للدولة العميقة وجيوبها الأمنية الممتدة داخل مكونات المجتمع كله ولهذا تكاد مواقف هذه القوى تتناغم تماما مع توجهات الدولة العميقة بشكل كامل لتتحكم في الحراك المجتمعي الذي لا تستطيع الدول التحكم به!

وحتى الصراع داخل أجنحة الدولة العميقة ينعكس على قواها وجيوبها العميقة داخل الحركة الإسلامية كما حدث في الجزائر بتناغم نزار ومحفوظ نحناح!

ويعد كتاب الهضيبي “دعاة لا قضاة” ردا من الدولة العميقة في مصر على سيد قطب وكتابه “معالم على الطريق”!

إن توظيف الحركة الإسلامية في الانقلابات العسكرية الأمريكية في العالم العربي والإسلامي منذ سبعين سنة حقيقة تاريخية لا يمكن طمسها وغض الطرف عنها منذ انقلاب حسني الزعيم في سوريا 1949 ثم انقلاب الضباط الأحرار في مصر 1952 إلى انقلاب السيسي 2013 وانقلاب تركيا 2016 وما بينهما من انقلابات في طول العالم الإسلامي وعرضه من أندونيسيا وباكستان شرقا إلى الجزائر وموريتانيا غربا!

والتي كانت وراءها كلها الاستخبارات الأمريكية والأوربية بالتعاون مع المؤسسات العسكرية والحركات الإسلامية لتكريس النفوذ الأمريكي الأوربي في تلك البلدان وحمايتها من الثورات الشعبية الحقيقية!

ومع ذلك كله ظلت هذه العلاقة المشبوهة سرا من الأسرار التي يحرم الحديث عنها أو كشفها للرأي العام الإسلامي ومعرفة كيف استطاعت الاستخبارات الأمريكية توظيف الحركة الإسلامية في كل هذه الانقلابات سواء بشكل مباشر أو كرديف ومساعد لإضفاء الشرعية عليها كما جرى في سوريا حيث خطب ممثل الحركة الإسلامية في الجامع الأموي تأييدا لانقلاب حسني الزعيم! وكما جرى في انقلاب مصر ١٩٥٢ الذي قطع الطريق على ثورة الشعب المصري آنذاك الذي كاد يخرج المحتل الإنجليزي ليتفاجأ بمجيء المحتل الأمريكي بانقلاب عسكري بثوب إسلامي!

وقد بلغ الاختراق للحركة الإسلامية حد تورطها في اغتيال محمود النقراشي الذي كان قد دعا قبل اغتياله بسنة إلى وحدة مصر والسودان والجلاء البريطاني عن مصر بلا قيد أو شرط مما حدا الإمام حسن البناء -رحمه الله- للإعلان عن براءته ممن قتله والعزم على حل الجماعة والاكتفاء بتربية مجموعة من الطلبة بعد أن شعر بأن الدولة العميقة قد اخترقت الجماعة بجيوبها العميقة!

وقد ظلت الحركة الإسلامية مدة سبعين سنة على علاقة وطيدة مع كل الأنظمة الخاضعة للنفوذ الأمريكي الغربي وتتمتع بحركة واسعة فيها على اختلاف طبيعة تلك الأنظمة سواء ملكية أو جمهورية وسواء عسكرية دكتاتورية أو ديمقراطية فالعامل المشترك بينها هو خضوعها لأمريكا!

وقد بلغ هذا التحالف الوطيد ذروته في إعلان بوش الحرب على الإرهاب سنة 2001م فانحازت الحركة الإسلامية للحملة الأمريكية على الإرهاب والذي يقصد به كل كفاح ضد المحتل الأمريكي!

وتكاد كل مواقفها تخدم المشروع الأمريكي!

 فتارة تنحاز للمحتل الأمريكي الأوربي وتتعاون معه كما في غزو أفغانستان والعراق! وتارة تنحاز لعسكرة وتتحالف معه كما حدث في الجزائر وباكستان والسودان وموريتانيا! وتارة تنحاز للأنظمة الملكية والوراثية كما في المغرب والأردن ودول الخليج! وتارة تنحاز للثورات الشعبية بشعار الديمقراطية لاحتوائها وإعادتها للنظام الدولي والإقليمي كما حدث في مصر وتونس واليمن!

ولا يمكن أن تكون كل هذه المواقف مجرد أخطاء تتكرر منذ 1952حتى اليوم!

بل هي قوى عميقة تم إعادة إنتاجها ورعايتها دوليا كجزء من النظام العربي الوظيفي للمحتل الأوربي الأمريكي تدار من لندن وواشنطن وبرلين وجنيف ماليا وسياسيا تماما كما تدار جماعة قولن أكبر حركة إسلامية في تركيا من بنسلفانيا!

والتي انحازت للانقلاب العسكري الأمريكي في تركيا 2016 ثم انحازت مع حزب السعادة الإسلامي لمرشح حزب الشعب الأتاتوركي كمال كليشدار 2023م!

بل إن القولونية العربية أسبق وجودا وأخطر أثرا من القولونية التركية!

فهي الوكيل الرسمي والحصري المعتمد أوربيا للإسلام السياسي الوظيفي! وهي بالنسبة للجماعات الإسلامية العربية كالجامعة العربية لدولها تضبط إيقاعها لتتناغم مع القرارات الدولية وإلا تولت الحركة الإسلامية حصارها والقضاء عليها نيابة عن النظام العربي والدولي!

وأتباعها كأتباع تنظيم قولن لا يكادون يعرفون شيئا عن كيفية اختيار قياداتها؟ وكيف تدار؟ ومن يمولها؟ وما قنوات تفاهمها مع واشنطن؟ وكيف تتمتع بمقر دائم في عاصمة الحملة الصليبية لندن؟ كما اعترف محمد حبيب حين تفاجأ بالاتصالات السرية بالإدارة الأمريكية دون علمه!

وكل من اكتشف واقعها من قياداتها تخلى عنها دون أن يجد أجوبة كثيرة عن أسئلته حول مواقفها التي تأتي دائما خلاف الصواب وما تتنماه الشعوب وتبرر كأخطاء وكأنما هي نسخة أخرى للأنظمة العربية الوظيفية ودولها العميقة!

د. حاكم المطيري

الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة، أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى