مقالات

د. حاكم المطيري يكتب: الحملات الاستعمارية الصليبية.. وعودة ابن تيمية

كلما اجتاح الأمة عدو خارجي، واحتل أرضها، وانحلت عرى قوتها ووحدتها، وضعفت همتها، واهتزت ثقتها بدينها وثقافتها؛

أثارت روح ابن تيمية وفكره هدأتها، وفجرت طاقتها، وشدت عزيمتها، وبعثت روح الجهاد فيها،

إذ كان لفكر ابن تيمية أكبر الأثر فكريا وسياسيا وعسكريا في هزيمة الحملات المغولية الوثنية والصليبية الفرنجية في القرن السابع الهجري.

وكذا فجر فكره روح المقاومة للحملات الصليبية المعاصرة فكريا وسياسيا وعسكريا في المشرق العربي،

وزادت حدتها بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان ٢٠٠١م، ثم للعراق سنة ٢٠٠٣م، والاحتلال الروسي لسوريا ٢٠١٥م،

وقد استطاع ابن تيمية بإحياء روح الأمة حشد الجميع على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم في معركة تحرير الشام،

واستنهاض همم الجيش المصري لنصرة أهلها؛ كما فصّلت أحداث ذلك في كتابي {ابن تيمية ومعركة الحرية}.

الحملات الصليبية لا تقتصر على شقها العسكري فقط

لقد أدرك ابن تيمية مبكرا بأن المعركة مع الحملات التي اجتاحت العالم الإسلامي لا تقتصر على شقها العسكري فقط؛

بل هناك ساحات للصراع مع العدو أشد خطرا على الأمة من الاجتياح العسكري ألا وهو الغزو الفكري والثقافي والروحي،

وأن انهيار العالم الإسلامي لم يحدث فجأة، أو بسبب ضعف قوته المادية؛ بل حدث بسبب شيوع الظلم وخواء الروح والابتعاد عن نور الإسلام وهدايات القرآن بالفلسفة اليونانية حتى قال كلمته الخالدة:

(إن الله ينصر الدولة العادلة الكافرة ويخذل الدولة الظالمة المسلمة) ولهذا حمل على عاتقه التصدي لظلم الأمراء وجورهم وألّف كتابه (السياسية الشرعية)،

وتصَدى للعصبيات المذهبية وألف كتابه (رفع الملام عن الأئمة الأربعة الأعلام)،

وتصدّى لمن أراد أن يفرق بين الأمة ومكوناتها باستثارة العصبيات الدينية وسعى في إصلاح ذات البين بين أهل الحديث والأشعرية والصوفيةـ

وتَصدى لكل المذاهب الهدامة التي جعلت من الخرافة والشعوذة دينا، ومن الوثنية توحيدا!

وكما شارك في التأليف والتصنيف في الدفاع عن الكتاب والسنة؛ شارك أيضا في الصراع السياسي ووقف مع السلطان محمد قلاوون؛

لما رأى من عدله واستعداده للجهاد والقتال في سبيل الله، وقاتل معه في معركة شقحب، وكان يحلف للأمراء بأن النصر حليفهم، وقد كان!

وقد تكرر المشهد نفسه في العراق والشام بعد أن اجتاحته الحملات الصليبية الأخيرة التي شنها بوش الابن سنة ٢٠٠١م،

وتوجت بالاحتلالين الأمريكي لأفغانستان والعراق والروسي لسوريا، وانحاز لها العرب الجاهليون والإيرانيون الصفويون الطائفيون،

وكانت الهزيمة الفكرية والروحية والثقافية لا تقل خطورة عن الهزيمة العسكرية

حتى صارت الجماعات الإسلامية نفسها تدعو إلى الديمقراطية والوطنية والقومية

ومرجعية الشرعية الدولية التي هي شرعية المحتل الأمريكي الروسي الأوربي!

 وشنت حملة إعلامية كبرى على ابن تيمية وفكره، ومنعت طباعة كتبه ونشرها وبيعها؛ خشية انبعاث روح الجهاد لهذه الحملات الصليبية،

وهو ما كان حتى توّج هذا البعث الجديد بتحرير الشام اليوم، وغدا بتحرير العراق بإذن الله!

د. حاكم المطيري

الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة، أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights