د. حلمي الفقي يكتب: هل حولان الحول شرط لوجوب الزكاة؟
حين يطرح هذا السؤال طارح، تأتى الإجابة سريعا وبكل ثقة، بالطبع حولان الحول شرط لوجوب الزكاة، ولكن الفقيه الدقيق يتروّى ويتمهّل فى الإجابة، فإن الفقه فى لغة العرب ليس هو الفهم، بل الفهم الدقيق
وهنا نجيب بعون الله فنقول:
لاشتراط حولان الحول في الزكاة ثلاثة أحوال
الحالة الأولى:
الحول ليس شرطا لوجوب الزكاة بإجماع علماء الأمة في خمسة أنواع من المال هى:
1- الخارج من الأرض، من الحبوب والثمار، بل تجب زكاته عند حصاده.
2- نتاج السائمة من بهيمة الأنعام: أي أولادها، فإنها تتبع الأصل في حوله.
3- ربح التجارة، فالتاجر الذي ربح مالا قبل حلول وقت زكاته بيوم أو يومين يجب عليه أن يزكي هذا الربح مع مال تجارته عند حلول حوله
4- الركاز، وهو دفين الجاهلية، ففيه الخمس عند العثور عليه.
5- المعدن: فمن عثر على معدن ذهب أو فضة، واستخرج منه نصاب زكاة المال ، وجب عليه أداء زكاته فوراً.
فهذه الأنواع الخمسة تجب الزكاة فيها بالإجماع فورا ولا يشترط لها حولان الحول
الحالة الثانية:
الحول شرط لوجوب الزكاة بالإجماع
وهو المال الذي أدى صاحبه زكاته من أي نوع من أنواع المال فلا تجب الزكاة في مال واحد مرتين في السنة
الحالة الثالثة:
المال المستفاد من غير ما سبق وهو: وهو كل مال دخل فى ملك الإنسان بأى وسيلة مشروعة من وسائل التملك، فقد شاع لدى الخاصة والعامة أن الحول شرط لوجوب الزكاة في كل مال يتملكه الإنسان بالإجماع، وهذا خطأ كبير
نعم قال جماهير أهل العلم باشتراط حولان الحول لوجوب الزكاة في كل مال يتملكه الإنسان تملكا جديدا فيجب عليه أن يمر عليه في ملك صاحبه حولا كاملا لتجب زكاته
ولكن هذا ليس محل إجماع، كما شاع وانتشر
فقد قال كثير من العلماء الأجلاء بوجوب الزكاة على الفور في كل مال يملكه الإنسان ملكا جديدا ومن هؤلاء حبر الأمة عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود ومعاوية وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري والزهري والأوزاعي
وهذا الحُكم والخلاف فيه ذكره ابن قدامة في المغني والشوكاني في نيل الأوطار والصنعاني في سبل السلام وابن حزم في المحلي، وغير ذلك
وهذا الرأي القائل بوجوب الزكاة على الفور في أي مال يتملكه الإنسان على الفور هو الراجح عندي، فالمال المستفاد كما يعبر الفقهاء هو المال الذي يدخل في ملك الإنسان لأول مرة بأي وسيلة مشروعة للتملك، فمتى تجب فيه الزكاة؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزكاة لا تجب فيه إلا بعد مرور سنة كاملة على هذا المال في مُلك صاحبه، وذهب ابن عباس وابن مسعود ومعاوية وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وآخرون إلى أن الزكاة تجب على الفور في المال المستفاد وهو أي مال يدخل في ملك الإنسان لأول مرة، وأرى -والله أعلم- أن هذا هو الراجح وأدلة رجحان هذا الرأي كثير جدا منها:
1- استدل أصحاب الرأي الأول على صحة ما ذهبوا إليه بأكثر من حديث منها حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»
ولكن كل الأحاديث التي وردت في هذا الشأن لم يصح منها حديث كما ذهب إلى ذلك جماهير المحدثين
2- وعلى فرض صحة هذه الأحاديث أو بعضها كما قال بذلك بعض المحدثين فيجب حملها على المال الذي أديت زكاته، فيكون معنى الحديث لا زكاة في مال أديت زكاته حتى يحول عليه الحول،
لماذا؟
لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» بلفظ مال نكرة وهذا يشمل كل مال، بما فيها الزروع والثمار فبمقتضى هذا الحديث الزكاة لا تجب في الزروع والثمار إلا بعد حولان الحول لأن الزرع مال من أنواع المال التى يتناولها الحديث، وفي هذا تعارض واضح مع قوله تعالى «وآتوا حقه يوم حصاده» فيجب أن يحمل معنى الحديث على أنه لا زكاة في مال أديت زكاته حتى يحول عليه الحول، وعلى أن الزكاة تجب في أي مال يدخل في ملك المسلم لأول مرة على الفور
3- لو أن إنسانا تملك مليار جنيه ملكا جديدا فعند أصحاب الرأى الأول لا تجب عليه الزكاة حتى يحول الحول والمليار ما زال في ملكه، فإذا أنفقها هذا الرجل قبل حولان الحول لا زكاة عليه،
أما لو تملك فقير خمسون ألف جنيه لا يمتلك غيرها وادخرها لعلاج أمه أو لتزويج ابنته وحال عليها الحول فهنا الزكاة تجب على من تملك خمسون ألف ولا تجب على من تملك مليار جنيه
فأوجبنا الزكاة على الفقير ولم نوجبها على الغني وهذا عكس ما قال به شرعنا أن الزكاة تؤخذ من أغنيائهم لا فقرائهم
وهذا وغيره الكثير مما يرجح رأى ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومن معهما القائل بوجوب الزكاة على الفور في المال المستفاد وهو كل مال يتملكه الإنسان المسلم لأول مرة
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
أ.د. حلمي الفقي
أستاذ الفقه المشارك بجامعة الأزهر