د. خالد فهمي يكتب: الطوفان الجديد «8»
يقول الله سبحانه وتعالى ﴿عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا﴾ [سورة الإسراء 17/8].. هذه آية أمل عريض! وآية استنقاذ من السقوط إذا وقع السقوط!
الآية تفتتح نظمها بالرجاء، والرجاء إذا استند إلى الله وجب، وقديما قالوا “عسى الله واجبة”؛ لأنه القادر، ولأنه الذي لا يستطيع أحد أن يمنع نزول فضله، وتقاطر رحمته بخلقه! ولأنه الرحيم الذي يرحم ضعف الضعفاء إذا ما لاذوا ولجأوا إليه! ولأنه الكريم يقيل عثرة المتعثرين إذا رغبوا في وجهه الكريم.
الآية تفاتح الأمة المسلمة أن الله من ورائها يرجو أن يمنحها رحمته، وأن يجدد لها هذه الرحمة، وقد صاغها بأسلوب الرجاء ليستنهض الهمم، وليشحذ العزم، ويمنع من مادة التواكل والكسل البغيض!
ويوشك نظم الآية أن يعلن عن أسلوب شرطي يقول ﴿إن عدتم عدنا﴾؛ أي أن إرادة تحقيق النصر واستنزاله من السماء مرهون بفعل الشرط الذي تقوم به الأمة وهو العودة إلى الله تعالى وتفعيل التوحيد الإيجابي في الأمة، وتزكية النفوس فلا تعبد إلا الله…
ولا تخاف من أحد إلا الله ولا تسأل الرزق إلا من الله، وبعمران الوجود الحي على هدى التوحيد، وبموجب تزكية الأنفس رحمة بالمخلوقات جميعاً.
عودة الأمة إلى الله هي التشغيل الحضاري لهدي القرآن الكريم، ولهدي النبي الكريم الذي تركه حيا في سيرته الشريفة الطاهرة وعودة الله هي تنزيل النصر، وحياطة الأمة بالجلال والعزة والفخار وعودة الله هي الانتقام من الكافرين، وحصرهم وحبسهم وغل أياديهم، وتشتيت قواهم، وإفساد تدبيرهم، وكسر تجمعهم وهزيمة أحزابهم ثم ردهم إلى الله.