د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: حليم العرب؛ معن بن زائدة
ومن روائع أدبنا العربي الأصيل، ما روي من قصة معن بن زائدة الشيباني (تُوفي عام ١٥١هـ) مع الأعرابي الذي قصد إغضابه؛ وكان معن قد ولّاه أبو جعفر المنصور على أحد الأمصار، وكان معن حليمًا جدًا، وكان يُضرب به المثل في الحلم.
فقد حدث أن قال بعض الناس لأعرابي نعطيك مائة بعير إذا أغضبت معن بن زائدة. فذهب الأعرابي إلى مجلس معن ودخل عليه وأنشأ يقول:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعيرِ
فقال معن: أذكره فلا أنساه.
قال الأعرابي:
فسبحان الذي أعطاك ملكًا
وعلمك الجلوس على السريرِ
فقال معن: إن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء.
قال الأعرابي:
فلست مسلّما إن عشت دهرًا
على معنٍ بتسليم الأميرِ
فقال معن: السلام خير وليس في تركه ضير.
فقال الأعرابي:
سأرحل عن بلاد أنت فيها
ولو جار الزمان على الفقيرِ
فقال معن: إن جاورتنا فمرحبا بالإقامة وإن جاوزتنا فمصحوبا بالسلامة.
فقال الأعرابي:
فجد لي يا بن ناقصة بمال
فإني قد عزمت على الرحيلِ
فقال معن: أعطوه ألف دينار تُخفّف عنه مشاق السفر.
فأخذها الأعرابي وقال:
قليل ما أتيت به وإني
لأطمع في المال الكثيرِ
فثنّي فقد آتاك الملك عفوا
بلا عقل، ولا رأيٍ منيرِ
فقال معن: أعطوه ألفا ثانية كي يكون عنا راضيا.
فتقدم إليه الأعرابي وقبّل الأرض بين رجليه وقال:
سألت الله أن يبقيك دهرا
فمالك في البرية من نظيرِ
فمنك الجود والأفضال حقا
وفضل يديك كالبحر الغزيرِ
قال معن: أعطيناه على هجونا ألفين فليُعط أربعة على مدحنا.
فقال الأعرابي: والله ما بعثني على ما فعلت إلا مائة بعير جُعلت لي على إغضابك.
فقال معن: لا تثريب عليك. ووصله بمائتي بعير؛ مائة للرهان ومائة له.