د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: في رحاب سورة الناس

سورة الناس.. وقضاياها الكبار
يظن البعض منا أن (سورة الناس) مجرد تعويذة مباركة نتعوذ بها وفقط..
ولا ينتبهون إلى أنها على قلة عدد آياتها قد جمعت ثلاث قضايا كبار.. تثبتها لله وحده لا شريك له فيها؛ هذه القضايا الكبار هي:
– الربوبية.. في قوله: (رب الناس).
– الملك والتدبير.. في قوله: (ملك الناس).
– الإلوهية.. في قوله: (إله الناس).
ونحن لا نزال نكرر في غفلة: ((رب الناس))، ((ملك الناس))، ((إله الناس)).. وتنشغل أذهاننا بلفظ (الناس) فيها دون الالتفات إلى اللفظ المضاف قبله.. (رب)، (ملك)، (إله)..
لاحظ لفظ (الناس) كل الناس.. عربهم وعجمهم، مؤمنهم وكافرهم، أبيضهم وأسودهم، برهم وفاجرهم.. كل الناس..
هؤلاء الناس جميعا.. ربهم وملكهم وإلههم هو ((الله))..
والحقيقة أن:
– (رب الناس): يعني خالقهم ومربيهم بنعمه العامة والخاصة..
– (ملك الناس): يعني مالكهم ومدبر شؤونهم..
– (إله الناس): يعني معبودهم دون سواه..
سبحان الله..
القضايا الكبار الثلاث
هذه القضايا الكبار الثلاث.. التي اختتم بها القرآن في آخر سورة من سوره؛ هي نفس القضايا التي افتتح بها القرآن في أول سورة من سوره أيضا؛ سورة الفاتحة..
هي هي نفس القضايا في سورة الفاتحة:
– الربوبية في قوله: ((رب العالمين)).
– الملك والتدبير في قوله: ((مالك يوم الدين)) أو ((ملك يوم الدين)) في القراءة الأخرى.
– الإلوهية في قوله: ((إياك نعبد)).
نفس القضايا؛ (الربوبية) و (الملك والتدبير) و (الإلوهية)..
وهي والله أخطر القضايا وأهمها وأعظمها.. وما الدين إلا هي، وما النجاة إلا بها، وما الفوز إلا بتحقيقها..
ونحن لا تنتبه أذهاننا لذلك ولا يخطر أحياننا لنا ببال.. بسبب التكرار وعدم التأمل والتدبر والتفكير…
قرأت ذات مرة للرافعي رحمه الله ما كتبه عن أحد الكتاب المشاهير وقد صار بعد ذلك أديبا كبيرا؛ أن هذا الكاتب كان في بداية حياته مستهترا وكان فيه زندقة رجع عنها، أنه قال منتقدا سورة الناس: (لو نسبت إلى سورة الناس لتبرأت منها.. الناس الناس الناس.. هل هذا أسلوب بياني؟!)..
أعوذ بالله!
ببساطة.. إنه عمى القلب وانطماس البصيرة وحيرة العقل وانقياد النفس للغرور وسطوة العجب..
لا أيها الكاتب الجاهل المغرور..
إنها والله سورة عظيمة لا يستطيع الجن والإنس مهما أوتوا من فصاحة وبلاغة وبيان أن ينحتوا مثلها ولا قريبا منها..
ولا ينتهي عجبي من أن تسمى هذه السورة العظيمة بسورة (الناس) ولم تسمى بقضية عظيمة من هذه القضايا الكبار..
وأن تسمى سورة (الفاتحة) بهذا الاسم.. فتكون فاتحة الناس؛ أنهم مربوبون لله، مملوكون له، وهو معبودهم..
فطيبوا نفسا بفاتحة الكتاب ومختتمه سورة الناس..
وما بينهما من سور القرآن الكريم.. فهذه قضاياه الكبار.. فلا تغيبن عن أذهانكم..
وسبحان من هذا كلامه..
ومعنى السورة الكريمة بأسلوب سهل:
قل أيها الرسول: أعتصم برب الناس وأستجير به () الذي يتصرف فيهم بما يشاء، فلا ملك لهم غيره سبحانه () معبودهم بحق فلا معبود لهم غيره () من الشيطان الذي يلقي وسوسته إلى الإنسان إذا غفل عن ذكر ربه سبحانه، ويبتعد عنه إذا ذكره () الذي يلقي بوسوسته إلى قلوب الناس () سواء كان هذا الشيطان من الجن أو الإنس، فهو يكون من الإنس كما يكون من الجن.