أكد الدكتور سامي الشريف الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، أنه لم تحظ تكنولوجيا حديثة باهتمام مبالغ فيه بأخطارها كما حظيت تكنولوجيا «الذكاء الإصطناعى».
فمنذ ظهورها احتلت مساحات واسعة من النقاشات المجتمعية سواء فى الأوساط العلمية المتخصصة أو حتى فى أوساط الأشخاص العاديين.
جاء ذلك خلال ترأسه معاليه للجلسة العلمية السادسة بعنوان: «الرؤية الإعلامية للتعامل مع الفضاء الإلكتروني» حيث استعرض ورقة العمل التي تقدم بها للمؤتمر الرابع والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
وجاءت بعنوان : «الفضاء الإلكترونى والوسائل العصرية للخطاب الدينى، الاستخدام الرشيد والخروج عن الجادة»، المنعقد بالقاهرة يومي: 13-14/صفر/1445هـ الموافق 9-10 سبتمبر 2023م
موضحا أنه إذا كانت تلك التحذيرات تنطلق من منطلقات علمية بحتة تتعلق بمخاطر الذكاء الإصطناعى فى مجالات الطب والصناعة والأسلحة والتى يمكنها أن تخرج من نطاق سيطرة الإنسان الذى اخترعها.
فإن الأخطر من ذلك أن تلك المخاطر أضحت قريبة إلى حد كبير من دائرة الأخلاقيات وأصولها والأديان وجذورها.
الذكاء الإصطناعي وحقوق الإنسان
وعن علاقة الذكاء الإصطناعى بمجال حقوق الإنسان، أكد الأمين العام أن مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت ـــ قد شددت في سبتمبر2021على الضرورة الملحة لوقف بيع واستخدام أنظمة الذكاء الإصطناعى التى تشكل خطرًا جسيمًا ـــ يهدد حقوق الإنسان.
كما دعت إلى حظر تطبيقات الذكاء الإصطناعى في حين تم ضبط ممارساتها بما يتماشى مع القانون الدولى لحقوق الإنسان.
كما تطرقت ورقة العمل إلى علاقة الذكاء الصناعي بالأيديولوجيا..وأوضحت أن هناك علاقة ارتباطية بين الإنجازات المبهرة التى تحدث فى مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى والخطاب الأخلاقى والقيمى.
فكلما زادت نجاحات وإنجازات البحث العلمى تطور الجانب الأخلاقي لتحديد مواقف المجتمعات المختلفة منها، وفى مراحل الإزدهار العلمى والبحثى يزداد الحضور القوى للخطاب الأخلاقى والقيمى لتحديد مدى التزام البحث العلمى بالمعايير الأخلاقية.
لذا فقد اهتمت منظمة اليونسكو بأهمية وضع خطوط واضحة حول الحدود الإنسانية والأخلاقية التى يجب أن تحكم تطبيق تلك التقنيات واستخداماتها.
الذكاء الإصطناعي والأديان
وحول علاقة الذكاء الإصطناعي بالأديان طرح د. سامي الشريف تساؤلا مهما: هل سيكون الذكاء الإصطناعى محفزاً للأديان أم مهدداً لها ؟ لاسيما وأن الأخلاق والقيم هى الدرجة الأكثر تعبيرًا عن الفكر الديني .
موضحا أنه فى عام 2022م اقتحمت تقنيات الذكاء الاصطناعى دور العبادة وتواترت الأحاديث عن إمكانية استبدال الروبوتات الصناعية برجال الدين فى المسيحية واليهودية أسوة بما تم فى الديانة البوذية.
ولقد أثار رجال الدين فى أوروبا موجة من الاعتراضات على قيام الروبوتات بأدوارهم التقليدية حيث يتم التخزين فى ذاكرتها لكل ما يلزم من معلومات لوعظ المؤمنين.
والإجابة على جميع تساؤلاتهم وتوجيههم للقيام بكل الطقوس والعبادات وإن كانت تلك الروبوتات تخلو من الروح والمشاعر.
وهكذا يسعى المطورون في مجال تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي لإنتاج روبوتات ذات طبيعة دينية تؤمن بنفس ديانة منشئها .. ويطرح ذلك تساؤلا كبيرا مفاده: هل يشهد المستقبل القريب رقمنة كاملة للدين؟!
الذكاء الإصطناعي والتحيز ضد الإسلام
وقد أكد الأمين العام على أهمية التركير على كيفية تأثير الذكاء الإصطناعى على التحيز ضد الإسلام.
حيث قدمت التقنيات الحديثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعى وما قبله من اختراعات العديد من الألعاب الإلكترونية التى تكشف بلا مواربة حدة العداء الذى يكنه الغرب للإسلام والمسلمين.
والذى تتواصل حلقاته كل يوم بدءاً من كتابات المستشرقين ومروراً بالرسوم المسيئة للرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ووصولاً إلى حرق نسخ من المصحف الشريف فى عواصم أوروبية عديدة بما يخالف كل الدساتير والقوانين ويؤجج مشاعر المسلمين والإنسانية فى كل مكان.
فهناك عشرات الألعاب الإلكترونية مثل:”لعبة Call Duty ولعبة Fortnite ، ولعبة -Resident Evil ، وغيرها من الالعاب” التى تستهدف الإساءة لصورة الإسلام والمسلمين.
والتى تلقى انتشاراً واسعاً فى أوساط الأطفال والشباب فى مختلف دول العالم، وتمثل نموذجاً فاضحاً للحض على الكراهية وازدراء الدين الإسلامى ومقدسات المسلمين، وتعد انتهاكاً لكل المواثيق والشرائع.
إذ تهئ الأطفال منذ الصغر للتطرف والعنف والكراهية، ومن أسف فإن الكثير من أطفالنا فى الدول العربية والإسلامية يقبلون على تلك الألعاب دون فهم أو إدراك لخطورتها بما تتضمنه من إساءات للدين الإسلامى ولنبيه عليه أفضل الصلاة والسلام.
التكنولوجيا ليست شرا كلها
وقال الأمين العام: لسنا مع أولئك الذين ينادون بمقاطعة كل منجزات العصر واختراعاته لما تمثله من اعتداء صارخ على العقائد والقيم والأعراف السائدة والمتوارثة.
ذلك بأن مثل تلك الدعوات تعنى انقطاعًا عن الواقع وانسحاباً من الحياة المعاصرة.
فالتكنولوجيا ليست شراً كلها كما أنها ليست خيراً كلها، فكيف يمكننا أن نستفيد منها ونوظفها لخدمة الإنسانية ولخير البشر، إذا يسر الله لنا اختراعها وإنجازها.
وفى النهاية فإن تقنيات الذكاء الاصطناعى عمل بشرى قُصد منه محاكاة ذكاء الإنسان وسلوكياته بهدف تسهيل حياة البشر، وإذا كانت بعض الدول الغربية والجماعات الإرهابية المتطرفة قد وظفتها لخدمة أهدافها الشريرة.
والتى كان من بينها – كما أسلفنا – نشر الإسلاموفوبيا والترويج لقيم الكراهية والتطرف والإقصاء، فإن علينا كمسلمين بذل المزيد من الجهود المخلصة لدحض تلك الإدعاءات والعمل الجاد على الإسهام فى صناعة تقنيات الذكاء الإصطناعى وتوطينها فى بلداننا.
وإثراء مجال الذكاء الإصطناعى بمحتوى صحيح فاعل يقدم الصورة الحقيقية للإسلام الوسطى الداعى إلى الإنفتاح على مختلف الثقافات والحضارات من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
الدعاة اكثر الناس حاجة للذكاء الإصطناعي
وأوضح د. سامي الشريف أنه إذا كانت كل المؤسسات المجتمعية والعلمية مطالبة باستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعى والإفادة منها.
فإن المؤسسات الدعوية فى أمس الحاجة لإمتلاك تلك التقنيات وتوظيفها لخدمة الدعوة الإسلامية بأساليب عصرية وهو ما استهدفه مؤتمرنا هذا.
و طرح الأمين العام بعض الأفكار التى يمكن من خلالها التوظيف الأمثل للذكاء الإصطناعى وتجنب مخاطره أو التقليل منه:
– يجب على المؤسسات الدعوية السعى الدؤوب لتدريب العاملين فيها من الدعاة والواعظات على كل فنون التعامل مع التكنولوجيا الحديثة – ومن بينها – تطبيقات الذكاء الإصطناعى وإتقان توظيفها لخدمة الدعوة الإسلامية وتحقيق سبل الإنتشار والتأثير.
– على الدول الإسلامية العمل بجدية على التواجد الفاعل فى الفضاء الإلكترونى من خلال الإستغلال الأمثل لمواقع التواصل الإجتماعى والصفحات الإلكترونية وتزويدها بمحتوى دعوى راق وعصرى.
حيث لا يزال المحتوى العربي فى الفضاء الإلكتروني ضعيفاً وهزيلاً ولا يتناسب مع مكانة الدول العربية والإسلامية.
– بناء قاعدة معرفية عربية وإسلامية تتضمن المصادر والمراجع الرصينة التى تعرض للتعريف بمبادئ الإسلام ووسطيته والرد على كل الإساءات والإتهامات التى يروجها أعداؤه وكارهوه.
– المشاركة الفاعلة فى إجراء حوار عالمى مع الدول والمؤسسات الدولية المختلفة حول أخلاقيات البحث العلمى بصفة عامة وأخلاقيات الذكاء الإصطناعى على وجه الخصوص.
وليكن ذلك من خلال ما دعا إليه نداء روما الذى دعا إليه الفاتيكان – The Rome Call – عام 2020م، وما أعقبه فى قمة روما عام 2023م والتى شارك فيها ممثلون عن الإسلام والمسيحية واليهودية .
ضوابط دولية لإستحدام الذكاء الإصطناعي
وتابع د. سامي الشريف قائلا: اقترحت بعض المبادئ التى يجب على مصممى الذكاء الإصطناعى الإلتزام بها ومن أهمها:
أن تكون تطبيقاتها شاملة وقابلة للتفسير وغير متحيزة وقابلة للتكرار ولا تسعى إلى ترسيخ فكرة الإنفصال بين الإنسان وأخيه الإنسان أو الإنفصال بين الإنسان وخالقه.
– مواجهة الدول والمؤسسات والشركات العالمية التى تصدر تقنيات الذكاء الإصطناعى وتقدم محتوى متحيزاً ضد الأديان بصفة عامة والدين الإسلامى بصفة خاصة.
وذلك من خلال حوار فاعل ومتمدن بعيداً عن سلاح المقاطعة والإحتجاجات والمظاهرات وحرق أعلام الدول أو الإعتداء على سفاراتها، مما يُظهرنا فى كثير من الأحيان رافضين لحرية الرأى والتعبير.
– يجب ألا ننتظر من الدول والمؤسسات والشركات الغربية تجريم الإعتداء على المقدسات الدينية انطلاقاً من دوافع دينية بحتة كما نؤمن نحن ونعتقد.
بل ينبغى أن نربط تلك الممارسات بتصادمها مع حقوق الإنسان ومع دساتير وقوانين تلك الدول نفسها، واعتبارها شكلاً من أشكال الحض على الكراهية والتمييز والإقصاء.
مع توضيح مدى تأثيرها على مصالح تلك الدول والمؤسسات وصورتها لدى الدول والشعوب الإسلامية والدول والشعوب المحبة للسلام.
تشريعات لضبط أداء الفضاء السيبراني
وتابع د. سامي الشريف قائلا :- الإسهام بشكل فاعل فى تطوير التشريعات والقوانين التى تضبط أداء الفضاء السيبرانى انطلاقاً من مبادئ وأخلاقيات إنسانية، واتساقاً مع القوانين والدساتير الوطنية.
– وضع الخطط العاجلة لتفعيل دور الذكاء الإصطناعى فى مجالات خدمة القضايا الإنسانية وتشجيع العمل التطوعى والإستجابة لحالات الطوارئ التى يتعرض لها المواطنون ورعاية الأطفال والمشردين وذوى الإحتياجات الخاصة.
– دعوة المؤسسات التعليمية للإهتمام بتطوير العملية التعليمية من خلال استخدام تقنيات الذكاء الإصطناعى فى برامجها التدريسية والتدريبية، وإدخال مقررات تُعنى بتدريس تلك التقنيات وآداب التعامل معها والضوابط الأخلاقية التى يجب مراعاتها فى استخدامها.
كما أشار د. سامي الشريف إلى أن الذكاء الإصطناعى أحد أهم منجزات البشرية فى القرن الحادى والعشرين، وأنه رأس الحربة فى الثورة التكنولوجية الرابعة، والتى سوف تغير من مسار البشرية ومستقبلها فى السنوات القادمة.
وأنه لا سبيل لنا سوى التعامل مع منجزات تلك الثورة وتوظيفها لخدمة الإنسانية والإرتقاء بكل مجالات حياتنا وفى مقدمتها الدعوة إلى الله والإلتزام بأحكامه وشريعته والأخذ بكل المستحدثات والمبتكرات، ما لم تتجاوز أو تتعارض مع الضوابط الشرعية.