أقلام حرة

د. سامي عامري يكتب: ما أيسر خداع الناس!

فوزي البدوي يثرثر أمام الناس في مداخلة نظمتها المؤسسة الراعية للإلحاد في جامعات المغرب وتونس: «مؤمنون بلا حدود»

يريد أن يثبت فيها أنّ الإسلام ليس إلّا نسخة مزورة لليهودية، ساردًا أمام السامعين أسماء كُتّابٍ ومؤلفاتهم دون أن يوقفه أحد لمراجعته..

بل ستجد مِن سامعيهم الانبهار والافتتان..

والرجل في البحث الاستشراقي في الدراسات القرآنية يتحدث عما لا يعرف، ولكنه يحسن الإيحاء أنه قد درس ما يقول..

خذ مثلا قوله إن Abraham Geiger يُعدّ من الباحثين الذين أثبتوا – أو عملوا على إثبات- أن القرآن كان ينقل عن الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام:

«هناك مصادر يهودية [للقرآن] بمعنى التي نجدها في الأسفار الخمسة. الشخص الذي اهتم بهذه الدراسات وبدأ فيها هو المستشرق أبراهام جايجر».

 هنا لم يحدثكم فوزي البدوي عن مضمون الكتاب وإنما بدأ يطلق معلومات عامة عن التيار الذي انتمى إليه Geiger.

بما يُوحي للسامع أنّ الرجل مطّلع على أطروحة الكتاب وعلى ما هو أكثر من ذلك من حياة المؤلّف.

كتاب Geiger المشار إليه هو «Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen؟»

وقد ناقشتُ كل ما جاء فيه من دعاوى بصورة تفصيلية في كتاب «هل اقتبس القرآن الكريم من كتب اليهود والنصارى؟» بالعودة إلى المصادر اليهودية التي ادعاها جايجر للقرآن.

دعوى قديمة جدا

وكل من قرأ ما كتبه هذا الحبر اليهودي أو يعرف ملخصه يعلم أنّ جايجر لم يشغل نفسه بإثبات أثر الكتب الخمسة على القرآن،

فهذه دعوى قديمة جدا تعود إلى بدايات التأليف السجاليّ polemic اليهودي منذ بداية القرون الوسطى، بل هي في الحقيقة دعوى كفار مكة أصلا..

 كتاب جايجر -لمن قرأه- هو في محاولة إثبات أثر التلمود الأورشليمي والمدراشات والترجومات -بزعمه- على القرآن.

وهو كتاب مركزي في الجدل في Quran source criticism في المكتبة الاستشراقية،

ومن المعيب جدا جدا أن يتحدث عنه من يخوض في هذا الباب دون أن يكون قد قرأه..

ولكن لا حاجة لقراءته إذا كان المجلس للاستعراض المسرحي لا البحث العلمي.

وكذلك ما نسبه البدوي إلى Simon Claude Mimouni من أنّه من أبرز المهتمين بإثبات أثر الناصريين Nazarenes في صناعة الإسلام والقرآن،

رغم أنّه ليس لميموني أيّ مساهمة في الباب؛ فإنه معلوم للباحثين أنّه متخصص في دراسة هذه الفرق ضمن السياق المسيحي لا ضمن السياق الإسلامي،

وإن قد يذكر هذه الدعوى عرضًا موافقة أو مناقشة، فهو القائل صراحة في الصفحة الأولى من بحثه “,

“Du Verus Propheta Chrétien (Ébionite?) au ‘Sceau des Prophètes’ Musulman,”

(ضمن الكتاب المشترك Jewish Christianity and the Origins of Islam) إنّه لا يفقه في الدراسات المتعلقة بالإسلام شيئًا؛

فقد قال عن هذه الدراسة إنّها “Venant d’un spécialiste du judaïsme et du christianisme, un peu moins du manichéisme et pas du tout de l’islam”…

فكيف للجاهل بالإسلام أن يكتب في الدراسات الإسلامية أو القرآنية؟!

والبدوي اليوم يريد أن ينشر أثر المسيحية-اليهودية Jewish-Christianity في القرآن،

وهي الدعوى التي فشلت في أن تجد لها انتشارا في الغرب نفسه، حتى إنه لم ينبر لمناقشتها إلا قلة من الباحثين كSidney Griffith وJohn Renolds

إنّهم يبيعون النفايات الساقطة في الغرب بين المسلمين!

ألا يذكرك ذلك بكتاب خزعل الماجدي «أنبياء سومريون» والذي جاء فيه بنظرية سقطت في الغرب منذ قرن،

ليجعلها إحدى فتوحاته (وقد تمّ نقضها تفصيلا في كتاب: سرقات وأباطيل)؟!

د. سامي عامري

دكتوراه في الأديان المقارنة مؤلف، محاضر، وباحث في الأديان المقارنة والمذاهب المعاصرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights