أقلام حرة

د. عاصف سرت توركمان يكتب: الأستاذ ساقي باقي صادق البياتي

ولد الأستاذ ساقي باقي صادق البياتي عام 1923م في بلدة تسعين القديمة. قام بتربيته ابن عمه المرحوم رضا باقي والذي كان يلقب بـ«رضا الطويل» بسبب طول قامته، وهو والد الأستاذ غانم رضا، وكان يحظى بتقدير كبير لعلمه الذي اكتسبه. أنهى مراحل تعليمه الابتدائي والمتوسطة والثانوية، وتخرج من دار المعلمين العالية في بغداد عام 1947م. وفي ذلك الوقت، كان على كل من يريد الالتحاق بدار المعلمين العليا، وهي مؤسسة تعليمية عريقة في بغداد تأسست عام 1923م، أن يدفع الرسوم الدراسية. وكان مبنى المدرسة وفصولها الدراسية يقع في الطابق العلوي من مدرسة المأمونية الابتدائية المحاذية لوزارة الدفاع الوطني، وكان يشرف على إدارتها ساطع الحصري مدير عام الإعلام في ذلك الوقت وكانت المدرسة تستقبل الطلاب المتفوقين فقط.

وقد أشاد بعض الكتاب بقبول الأستاذ ساقي باقي في كلية الملك فيصل الأول (المرحلة الإعدادية) لحصوله على علامات عالية في المرحلة المتوسطة وتخرجه بعد ذلك من كلية التربية/قسم الرياضيات عام 1952.

تم تعيين الأستاذ ساقي باقي استاذا لمادة الرياضيات في ثانوية تسعين للبنين، وبذلك بدأ مسيرته في سلك التعليم. تزوج في ستينات القرن الماضي من المرحومة السيدة سعدية بنت علي مردان الكوزه چي التي انتقلت الى دار الاخرة في حزيران (يونيو) عام 2019م، وهي شقيقة كل من المرحوم البروفيسور نجم الدين علي مردان والمرحومة السيدة صبرية بنت علي مردان عقيلة المرحوم محمد علي كهيه مختار تسعين القديمة وبنت عم الفنان الراحل عبد الواحد كوزه چي أوغلو. وكان له ثلاثة أبناء: عبد السلام ساقي (مشرف اختصاصي فيزياء)، محمد ساقي (مهندس) وحالياً صاحب شركة في الشارقة، والدكتور معروف ساقي إخصائي أمراض الأذن والحنجرة بكركوك وابنتين.

لقد كان المرحوم الأستاذ ساقي باقي إنساناً جاداً بكل معنى الكلمة، كان يحب الأفضل لطلابه ويشجعهم على الحصول على درجات جيدة، كان لا يضيع ولو دقيقة واحدة من المحاضرة التي تبلغ مدتها خمساً وأربعين دقيقة، وأحياناً كان يغلق باب الفصل عندما يرن جرس الفرصة ليكمل ما عليه القيام به، ويبدأ في التدريس مباشرة بمجرد دخوله الى الصف. وكانت له مواقف مع بعض الطلبة أذكر منها بعض مشاهداتي عندما كان يدرسنا مادة الرياضيات في الصف الثاني متوسط في ثانوية تسعين للبنين.

حصل معظم الطلاب على درجات عالية في مادة الجبر في امتحان الفصل الدراسي الأول، وشعر المرحوم ساقي باقي أن بعض الطلاب غشوا في إجاباتهم لأنه يعرف مستواهم الدراسي. وفي اليوم التالي، دخل الأستاذ ساقي باقي الفصل بسرعة كعادته، وأغلق الباب، وأخذ الطباشير وكتب أحد الأسئلة من بين أسئلة الامتحان، وسأل أحد الطلاب الذين غشوا أن يقوم بحل السؤال الحسابي، فقام الطالب مرتبكاً ووقف أمام السبورة ولكنه لم يستطع حله فغضب عليه غضبا شديدا وقال له:

«ما المشكلة؟ لماذا لا تستطيع حل هذا السؤال رغم حصولك على العلامات الكاملة في الامتحان؟ إذن أنت أحد الغشاشين الذين تم تسجيل أسمائهم» … وكان الطالب يرتعش خوفا من أن يقوم الأستاذ بضربه أو عقوبته ولكنه قال له: «يا بُني اذا بدأت حياتك بالغش فأنك لن تفلح أبدا، فالذين غشوا في الامتحان سأقوم بتدريسهم ساعات إضافية بعد انتهاء الدوام» … وعلى الرغم من أنه كان يتمتع بمزاج قوي وسريع الغضب، إلا أنه كان يعامل طلابه بهذه الطريقة.

من قال إن ساقي باقي لا يضحك؟

كنا في الصف الثالث متوسط في ثانوية تسعين للبنين، وكان المرحوم إبراهيم كاظم مراقب شعبتنا (شعبة/أ)، شخصاً يتميز بروح الدعابة وخفة الحركة، ولديه موهبة تقليد حركات وأصوات معظم الأساتذة، وكان يقلد الأستاذ ساقي باقي في حركاته واُسلوب معاملته مع الطلبة وصوته تقليداً كاملاً، وقد وصل الخبر للأستاذ ساقي باقي عن طريق بعض الأساتذة وقرر أن يرى ذلك بنفسه، وبناء على ذلك قرر أن يستمع للمرحوم إبراهيم كاظم أثناء تقليده له، فوقف عند الباب ثم دخل الصف فجأة، ولم يحس به المرحوم إبراهيم كاظم إلا بعد لحظات، وفجأة بدأ الأستاذ ساقي باقي بالضحك وقال: «من قال لكم إن ساقي باقي لا يضحك؟».

ومن بعض الطرائف الاخرى أنه في إحدى الامتحانات كتب أحد الطلبة على ورقة امتحان مادة الجبر بعدما تأكد من رسوبه:

«س، ص تحت الجذر..  شيّبني درس الجبر.. كلما يخرج الناتج كسر.. يعطيني أستاذ ساقي باقي صفر» وعندما قرأ هذه الكتابة بدأ الاستاذ ساقي باقي بالضحك، واعتنى بكاتب هذه الجملة وساعده كثيراً حتى اجتاز الامتحان.

كان المرحوم كامل أدهم الدباغ مقدم البرنامج التلفزيوني (العلم للجميع) من أقرب أصدقائه، وكانا معاً في مدرسة دار المعلمين العالية في بغداد. وقامت الحكومة العراقية في أواخر ثمانينات القرن الماضي بتصوير فلم وثائقي عن حياة المرحومين كامل الدباغ وساقي باقي، وتم بث البرنامج على تلفزيون الجمهورية العراقية. وتم في بداية الفلم الوثائقي عرِض ملخص عن حياة العبقري المرحوم الأستاذ ساقي باقي، وذكر المتحدث أن الأستاذ ساقي باقي هو من محافظة كركوك من منطقة تسعين القديمة وأنه كتب رداَ لنظرية فيثاغورس حيث كان لهذا الرد صدى كبير في مجال علم الرياضيات، وحصل على جائزة كبرى.

ألف المرحوم ساقي باقي ثماني مجلدات في علم الرياضيات (النظريات والجبر) بخط يده ولكنه لم يتمكن من طبعها فبقيت في الرفوف ولم ترى النور.

قام المرحوم الاستاذ ساقي باقي بتدريس مادة الفيزياء في مدارس كركوك لمدة عشر سنوات ثم انتقل بعد ذلك الى تدريس مادة الرياضيات. ومن أهم مميزاته في الرياضيات قدرته الخارقة على إعطاء نتائج العمليات الحسابية، وكذلك نتيجة ضرب الأعداد الكبيرة في ثوان معدودة.

أحيل الاستاذ ساقي باقي الى التقاعد عام 1982م. وكان للمرحوم ساقي باقي صوت رخيم، ويقلد المرحوم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في أسلوبه في تلاوة القرآن الكريم، وتم تسجيل شريط له وهو يتلو آيات من القرآن الكريم، كما اهتم بكتابة الشعر باللغة التركمانية. والمرحوم الاستاذ ساقي باقي هو خال الشهداء حسين علي هادي رؤوف، وعبد الأمير علي هادي رؤوف، ومحسن علي هادي رؤوف، وابن عمه الشهيد هاشم رضا طويل.

أنتقل المرحوم الاستاذ ساقي باقي الى دار الآخرة في الخامسة عشر من نيسان (أبريل) عام 1990م ووري جثمانه الثرى في مقبرة المصلى قرب ضريح أبو علوك (علّيك).

د. عاصف سرت توركمن

ممثل الجبهة التركمانية العراقية السابق في بريطانيا ثم أمريكا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights