د. عاطف معتمد يكتب: روح الأسلاف.. أسطورة الخلق الأول!
استجابت شركة جوجل لمطالب السكان الأصليين في أستراليا بإيقاف عرض خيارات التجول الافتراضي على صورها الفضائية وخرائطها وصورها الفوتوغرافية لموقع جبل مقدس يسمى «أولورو Uluru».
التجوال الافتراضي نوع من السياحة التخيلية يتنقل فيه الإنسان في بعض المواقع من خلال صور فائقة الجودة ذات زوايا تصوير 360 درجة، يشعر معها المتجول دون أن يغادر حاسوبه وكأنه يعيش في ذلك المكان البعيد فعليا (سياحة افتراضية أقرب للواقع الملموس).
يأتي قرار جوجل بعدما أصدرت الحكومة الأسترالية قرارا سابقا يحظر على السياح المتدفقين على المنطقة صعود جبل «أولورو» ودهسه بأقدامهم والاكتفاء بمشاهدته من أسفل.
والسبب في ذلك أن قبائل السكان الأصليين في وسط أستراليا يؤمنون بعقيدة دينية تقول بأن هذا الجبل هو أصل خلق الإنسان ومنبع الأرواح التي ولد منها شعبهم.
تمثل هذه خطوة جديدة في استجابة الحكومة الأسترالية لمطالب السكان الأصليين بعد أن تم تغيير اسم الجبل إلى المنطوق القبلي «أولورو» بدلا من اسمه الذي كانت تعرفه الكتب والبرامج السياحية سابقا والتي كان الجبل يعرف فيها باسم «آيرز Ayers» نسبة إلى اسم الحاكم الاستعماري في الإقليم نهاية القرن ١٩.
الحكومة الأسترالية لا تفعل ذلك إلا تعويضا عن التاريخ الاستعماري القديم والجرائم الكبرى التي ارتكبها المستوطنون الإنجليز بحق السكان الأصليين. بدات هذه السياسة منذ ثمانينيات القرن العشرين بهدف تقديم اعتذار عما ارتكبه الرجل الأبيض من جرائم تجاه السكان الأصليين الذين حاولوا الدفاع عن أنفسهم أمام الغزو الأوروبي فكان مصيرهم الإبادة… تماما كما فعل الأوروبيون تجاه الهنود الحمر في الولايات المتحدة.
ما علاقة ذلك بمصر؟
نهتم في مصر بأفكار الخلق عند قدماء المصريين والحضارة المصرية القديمة ونجهل أن هناك ثقافات أخرى لديها أساطير وأفكار مقدسة عن الخلق الأول، ومن بين هؤلاء شعب البچا الذي يسكن في منطقة حلايب وشلاتين في مصر وتمتد خريطته في شرق السودان وصولا حتى إريتريا وإثيوبيا.
نطلق على البچا في مصر اسم عائلة فرعية شهيرة هي «البشارين» الذين لديهم معتقد بأن جبل إلبا («عِلبة» في الكتب المدرسية) هو مهد الخلق وأصل الإنسان، بل يعتقدون أن هذا الجبل هو جدهم الأول الذي جاءت منه كل أرواح الأبناء حاليا.
يحسب لرواية صبري موسى «فساد الأمكنة» اتخاذها لهذه الفكرة منطلقا لأحداث الرواية الشيقة التي تدور أحداثها في جنوب صحراء مصر الشرقية خلال العهد الملكي.
وضعتُ على الخريطة المرفقة خطا واصلا بين جبل «أولورو» في أستراليا وجبل إلبا في مصر والمسافة بينهما أكثر من 11 ألف كم في خط مستقيم.
ورغم أن ارتفاع إلبا (1400م) والمؤلف من الجرانيت يفوق نظيره في «أولورو» (800 م) والمؤلف من الحجر الرملي إلا أن أولورو يتمتع بوقوفه منفردا وسط صحراء تامة الاستواء.
وإذا كانت أولورو صخرة حمراء وصخور جبل إلبا فاتحة اللون (ومن هنا جاء اسمه عند البجا والذي يعني «الجبل الأبيض») إلا أن في إلبا مميزات أخرى عديدة أهمها التنوع النباتي والحيواني الذي أهله ليكون محمية طبيعية في مصر، وتبقى شهرة «أولورو» أكثر لأنه مسجل في اليونسكو ضمن مواقع التراث الطبيعي العالمي.
ورغم كل شيء يجمع الجبلين معتقد واحد لدى السكان الأصليين من أهل المكان وهو أن الخلق بدأ من هنا، وأن أرواح الأسلاف تسكن الجبل وجاء منها الآباء والأبناء.