بحوث ودراسات

د. عبد الآخر حماد يكتب: مشروعية الفرح بما يصيب المعتدين من الكوارث

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فقد رأينا في الأيام الماضية ما حل بأعداء الله من الأعاصير والحرائق التي دمرت ممتلكاتهم وأحالت جزءاً من بلادهم إلى جحيم لا يطاق.

وتساءل البعض عن إظهار الفرح والسرور بذلك، هل هو جائز أم هو من الشماتة المنهي عنها شرعاً؟ فأقول وبالله التوفيق:

إن الفرح بما ينزل بالكفار المعتدين والظلمة المفسدين من المصائب والكوارث مشروع، وليس من الشماتة المنهي عنها؛ إذ إن المنهي عنه هو الشماتة بالمسلم غير المعتدي، أما أهل الكفر والظلم والطغيان فقد دلت النصوص الشرعية على مشروعية الفرح وإظهار السرور بهلاكهم وما يصيبهم من الكوارث والنكبات.

1- فمن تلك النصوص قول الله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ…) [التوبة:14-15]، فإن شفاء صدور المؤمنين وذهاب ما في قلوبهم من الغيظ، معناه سرورهم بما يحل في الكفار من القتل والنكال.

2-ومنها ما أخرجه البخاري (6147) ومسلم (950) عن أبي قتادة بن رِبعي أنه مُرَّ بجنازة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ منه).

قالوا: يا رسول الله: ما المستريح وما المستراح منه؟ فقال: (العبد المؤمن يستريح من نَصَبِ الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العبادُ، والبلادُ، والشجرُ، والدَّوابُّ).

ولا شك أن ذكر الاستراحة من العبد الفاجر بموته، فيه معنى الفرح بذلك وإظهار السرور به.

3-وقد ثبت عن السلف رضوان الله عليهم أنهم كانوا يفرحون بهلاك أهل الظلم والضلالة، ويحمدون الله على ذلك، ومن ذلك فرح التابعين بموت الظالم الفاسق الحجاج بن يوسف الثقفي.

فقد ذكر ابن كثير في تاريخه في حوادث سنة 95 هـ: عن طاووس رحمه الله أنه لما تحقق وفاة الحجاج قال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).

وعن الحسن البصري أنه لما بشر بموت الحجاج سجد شكراً لله تعالى، وكان مختفياً فظهر، وقال: اللهم أمته فأذهب عنا سنته.

وقال حماد بن أبي سليمان: لما أخبرتُ إبراهيمَ النخعي بموت الحجاج بكى من الفرح. [البداية والنهاية: 9/ 145].

4-وفي كتاب السنة للخلال (5/ 121): (قيل لأبي عبد الله -أي الإمام أحمد-: الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد، عليه في ذلك إثم؟ قال: ومن لا يفرح بهذا؟). وابن أبي دؤاد هو قاضي المعتصم ثم الواثق، وهو الذي كان يؤلِّب الخلفاء على الإمام أحمد في محنة خلق القرآن، ويغريهم بقتله كما في سير أعلام النبلاء (11/ 170).

وفي تاريخ بغداد (7/ 66) أنَّ العالمَ الزاهدَ بشرَ بن الحارث بلغه موت بشر المريسي الجهمي المبتدع وهو في السوق فكان يقول: (فلولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود، والحمد لله الذي أماته، هكذا قولوا).

أما شبهة أنَّ في المتضررين مَن لا ذنب له، ومَن لم يشارك في معاونة المعتدين، فإن جوابها: أنه قد جرى الشرع والقدر بأنه إذا وقع الظلم والطغيان من أهل بلد، وكان الظالمون هم أهل الرئاسة المتحكمين في تلك البلاد، فإن العقوبة تنال الجميع مَن شارك في الظلم، ومَن لم يشارك، ثم يبعثون على نياتهم يوم القيامة:

1-وذلك كما في حديث عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فإذا كانُوا ببَيْداءَ مِنَ الأرْضِ، يُخْسَفُ بأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ. قالَتْ: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ وفيهم أسْواقُهُمْ ومَن ليسَ منهمْ؟ قالَ: يُخْسَفُ بأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ علَى نِيَّاتِهِمْ). [أخرجه البخاري (2118) ومسلم (2884)]. ونحن نسأل: أليس هلاك ذلك الجيش مما يُفرح أهلَ الإيمان؟ والجواب: بلى يفرحهم، مع أن في الهلكى مَن ليس من أهل القتال، ومن خرج مكرهاً وغير ذلك. فكذلك في حالتنا اليوم. ولذا فقد استنبط شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 535)، من هذا الحديث أنه لو كان في معسكر الأعداء مَن خرج معهم مُكرَهاً، فإننا نقاتل الجميع، وليس علينا أن نميز المكرَه من غير المكرَه.

حيث قال رحمه الله: (فالله تعالى أَهلَكَ الجيش الذي أراد أن ينتهك حرماته ـ المكره فيهم وغير المكره، مع قدرته على التميِيزِ بينهم مع أنه يبعثهم على نياتهم، فكيف يجب على المؤمنين المجاهدين أن يميزوا بين المُكْرَه وغيره، وهم لا يعلمون ذلك؟!).

2-ومن تلك الأدلة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على المشركين بالجدب والقحط، وأنه كان يقول: (.. اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ…).

[أخرجه البخاري (1006)، ومسلم (675)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

قال الإمام النووي في شرح مسلم (3/ 169): (أي اجعلها سنين شداداً ذوات قحط وغلاء). ومعلوم أن المشركين كان فيهم نساء وأطفال، ورجال غير محاربين، ولا بد أن يصيبهم من ذلك القحط والجوع والغلاء.

وإذا جاز الدعاء عليهم بالقحط والشدة، كان من المشروع أن يفرح المسلمون عند استجابة الله لذلك الدعاء.

3- وقد دلت السنة الصحيحة على جواز تبييت الكفار والإغارة عليهم ليلاً، حيث لا يتميز الرجال عن النساء والصبيان ومن لا يحل قتلهم؛ لأن النهي عن قتل النساء والصبيان إنما هو في حال تميزهم وإمكان الاحتراز من قتلهم، وقد دل على ذلك حديث الصعب بن جَثَّامة أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم. فقال هم منهم).

[أخرجه البخاري (3012) ومسلم (1745)].

قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (والمراد إذا لم يُتعمدوا ضرورةً، وأما الحديث السابق في النهي عن قتل النساء والصبيان فالمراد به إذا تميزوا، وهذا الحديث الذي ذكرناه من جواز بياتهم، وقتل النساء والصبيان في البيات، هو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور).

[شرح صحيح مسلم: 6/ 293].

4-ثم إن أولئك المواطنين هم الذين يختارون أولئك الحكام، ويمولون مخططاتهم العدوانية بما يدفعونه من الضرائب ونحوها. نعم قد يكون فيهم مَن لا يرضى بسياسة حكومته، ولكن هؤلاء قلة لا يؤبه بهم، وإنما العبرة بالغالب، والنادر لا حكم له كما يقول الفقهاء.. وقد ذكر الإمام ابن القيم في زاد المعاد (3/ 124): أنه كان من هديه صلى الله عليه وسلم (أنه إذا صالح قوماً فنقض بعضهم عهده، وصلحه، وأقرهم الباقون، ورضوا به، غزا الجميع، وجعلهم كلهم ناقضين، كما فعل بقريظة، والنضير، وبني قينقاع، وكما فعل في أهل مكة، فهذه سنته في أهل العهد)..

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

سمير زعقوق

كاتب صحفي وباحث في الشئون الآسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights