د. عبد السلام البسيوني: أفكار غير سلفية
• قلت قبل إنني أعتبر السلفية الراشدة قمة الأداء الإسلامي الحضاري، فهي اتّباع واعٍ، ويقظة وإبداع، وتركيبة فذة من الاعتقاد السليم، والقلب الرقيق، والعقل النبيه، واللسان العفيف، والدعوة الجليلة، والإنسانية النبيلة، والعذر الدائم، والصفح الجميل، ومد اليد للبشَر، وحسن الإخاء، ونبل القصد، وعلو الهمة، والزهد الحصيف، والبرهان القاطع، والشمول الجامع!
• السلفية الراشدة إكرام للنفس، وحفظ للحق، وإيثار للآخر، واشتياق للجنة، وإعمار للدنيا، ونصح صادق، ودفع بالتي هي أحسن، وتقديم للدين على النفس!
• السلفية الراشدة عشق للحرف، وحسن تقدير للكتاب، وتوقير للدليل، وتدبر وفهم، وإكرام للعلم والعلماء، ودعاء لمن علِم وعلّم، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا حقًّا!
• السلفية الراشدة تقدير للخلق، وبسط للوجه واليد، وحلاوة في اللسان، ومبادرة بالنفع، وإيمان بأن ما عند الله خير وأبقى، وأن عفة اللسان واليد أتقى وأرقى وأنقى!
• السلفية الراشدة تهاب المساس بدم المسلم، وعرض المسلم، ومال المسلم، وترى أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وأنه تعالى يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وأن المرء المسلم لا يزال في فسحة من دينه؛ ما لم يصب دمًا حرامًا، ولا يزال في عافية ما لم يلغ في عرض حرام، خصوصًا أعراض العلماء، وأهل العافية –بل وأهل البلاء– ويرى أن الله تعالى لن يعاقبنا على تأدبنا وحسن أخلاقنا، بل على بذاءة ألسنتنا، وسوء تأتينا!
• السلفية الراشدة لا تصفق لظالم، ولا تدعم حاكمًا إرهابيًّا، ولا تناصر طاغية مجرمًا، ولا تعطي المشروعية لجبار عنيد، بل ترى أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، فإذا رأت اعوجاجًا تكلمت، ونصحت، ورفضت، وبينت الحق للناس ولم تكتمه!
وإذا رأت كفرًا بواحًا، وعدوانًا على الدين صراحًا قالت لا، ورفضت، ونبهت، وقاومت، وأزالت المنكر باللسان أو باليد، بحسب الإمكان!
ولكننا… وآه من لكننا:
= = لكننا رأينا مدارس تنتسب للسلفية قد نصبت أنفسها رقيبة على الضمائر، منقبة عن القلوب، يسهل عليها – جدًّا – أن تبدِّع وتسفه، وتكفر وتفسق، وتقع في الأعراض، وتسب العلماء، فلم تترك داعية إلا ووصمته، ولم تدع عالمًا إلا وسبته، ولم تهمل تيارًا إلا ومن الدين أخرجته، وبالضلال رمته!
سلِم منها المرَقة، والطغاة، والمرجفون، والمضللون، والشاذون والملحدون، ولم يسلم من ألسنتها الحفظة والدعاة والعلماء العاملون!
= = ورأينا مدارس ترفع الجبابرة والطغاة، وتحشم الذين بدّلوا دين الله، واستباحوا الأعراض والدماء، ولفقوا التهم للبرآء، وفسحوا للفسوق الأمداء، وفتحوا للاستباحة الأبواب، وأذلوا وقهروا العباد، وسُبَّ بمباركتهم الله تعالى، وأهين رسول الله الكريم، واعتدي على القرآن، واستكبروا في الأرض بغير الحق، وقالوا من أشد منا قوة!
= = ورأينا جهلة أشباه متعلمين، يتصدرون ويتكلمون، وما قرؤوا كما قرأ السلف، ولا استوعبوا كما استوعب السلف، ولا صبروا كما صبر السلف، ولا تخلقوا بأخلاق السلف، فلم يحصلوا إلا على النسبة، ولم ينالوا إلا الاسم، فأين البعر من الدر!؟
= = ورأينا منهم أناسًا وقفوا عند الشكل، واختصروا السلفية في المظهر، فلم يزكوا قلوبهم، ولم يهذبوا عقولهم، ولم يعفوا ألسنتهم، فصاروا كما قال القائل:
ويعجبك الطرير إذا تراه *** فيخلف ظنَّك الرجلُ الطرير
= = ووجدنا منهم أناسًا إقصائيين، يلغون من سواهم، ويرفضون من خالفهم، ويحجِّرون الواسع، ويضيقون التفكير، ويظنون أن بأيديهم مفاتيح الجنة، وأنهم ضمنوها، وأن غيرهم هلكى أبناء هلكى!
= = ووجدنا منهم أناسًا مهرة في السب، بارعين في التحقير، حداد الألسنة، قساة القلوب، وما تعلموا من منهج إمامٍ عفٍّ كالبخاري، وحريصٍ كالذهبي، وورعٍ كابن باز، وفقيه كالقرضاوي، وسابق عصره كالغزالي!
بل إن الجرح –آسف: القتل المعنوي– عندهم أيسر على نفوسهم من شرب الماء، وأسرع على ألسنتهم من تنفس الهواء!
= = ووجدنا منهم أناسًا أرفق ما يكونون بالرسميين المنحرفين، وبالعلمانيين والمتطرفين اليساريين، فهم أعزة على المؤمنين، وأذلة على المشبوهين والعملاء والفاتنين المفتونين!
= = ووجدنا لبعضهم قواميس في السب والعيب، والإهانة والتحقير، بل كتبوا كتبًا فرغوا لها هممهم، وبذلوا لها وسعهم، وأنفقوا على تنفيقها أموالهم، وما هي بعلم، ولا تقى، ولا برشد ولا هدى؛ بل أخشى أن يسألهم الله تعالى عن كل حرف فيها وكل جملة، وويل يومئذٍ للجرآء مستبيحي أعراض البرآء!
وحسبي في هذه المقام الإشارة لا العبارة، فلا أحتاج أن أذكر أسماء، ولا أعدد لافتات، ولا أحدد أحدًا؛ فإن الرب تعالى لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء؛ فاللهم اغفر لنا ولهم، يا رب العالمين.
نماذج شائنة لخطاب تكفيريٍّ منسوب ظلمًا للسلفية (أنقلها بأخطائها وخطاياها):
الذي يجول في أنحاء الصحف، أو اليوتيوب، أو في الكتب السطحية المزجاة، يفزع من جرأة (بعض) منسوبي السلفية، واستسهالهم الطعن والسب، وارتفاعهم بأنفسهم إلى مستوى أئمة الإسلام العظام، فاقرأ بعض كلامهم معي وتحسر:
= = وخلاصة القول : فإن الرئيس…. -وفقًا للأدلة الشرعية- هو أمير المؤمنين! له حقوق الحاكم التي أقرها الشرع؛ ما أقام في…. الصلاة، ومن نازعه في ولايته، أو خرج عليه، أو ألب الناس عليه، ففيه من الخوارج بقدر خروجه ومنازعته. والله أعلم!
= = وقال….. في تصريحات لـ«……»، إن الخروج على…..حرام شرعًا، وهو متمسك بتصريحاته وفتاواه السابقة!
وإنه يتمنى زيارة مبارك في محبسه ليتبرأ من محاكمته!
وإنه لا يعترف بوجود ثورة في مصر من الناحية الشرعية، بل نوع من الفوضى العامة، دون قيادة عامة، ولا فكر واحد.
وأضاف أنه ما زال يدرس فكرة الترشح لرئاسة الجمهورية(!!!!) حال عدم ترشح أحد أعضاء المجلس العسكري، بشرط أن يكون في الخدمة، لافتًا إلى أن الفريق أحمد شفيق هو المرشح العسكري الوحيد، الذي يمكن أن يتنازل له رغم خروجه من الخدمة!
= = قال…..: إبلاغ مباحث أمن الدولة عن معارضي مبارك فريضة دينية وواجب شرعي! وكان يدعو على المنابر لوزير الداخلية المتشيطن……؛ معقبًا على اسمه بقوله: حفظه الله!
= = وكتب أحدهم:……. نقول: الله المستعان، الرجل خرج، وأخرج كل ما في منهجه وعقيدته الخبيثة للعلن، وأصبح يجاهر بأنه الرأس، أو أحد رؤوس الفتنة، أو ينطبق عليه بالمسميات الحديثة التي يحبها (الناطق الرسمي للفتن) نعم؛ الناطق الرسمي للفتن، المتاجر بأرواح الكثيرين من المساكين، قطعه الله، وما ذكرته بحقه قليل، بارك الله فيك!
= = وورِع آخر يقول:…… بارك الله فيك يا أخ فلان… صحيح أن الأدب مطلوب، والسباب والقدح مرفوض من جهة الأدب، ولكن هذا الرجل بذّات (…..) يستحق أشنع الألفاظ وأقبحها؛ لما انطوى عليه من الشر لأهل الإسلام!
= = الآن بالذّات فهمت لماذا قال الشّيخ مقبل رحمه الله عن….: (الكلب العاوي) بل قال فيه أشدّ من ذلك؛ قال: أخشى أن يكون مدسوسًا على الإسلام!
وسبب قوله الكلب العاوي في نظري -مما تُوضّحه هذه الأيام- هو أنّه خارجي، بل من دعاة الخوارج! والخوارج (كلاب النّار) هذه فراسة العالم!
= = صدقت أخي فلان؛ فهو أخواني محترق/ صاحب منهج منحرف/ وسب السلفيين أبان ثورة (فوضة) الشباب المصري/ وهو يشجع على الفتن/ ولا يبالي بالدماء التي تراق/ وكذلك فتاويه الشاذة/ ونسأل الله أن يهديه أخيرًا!
= = قال الشيخ….. سدده الله: الحدادية لهم أصل خبيث، وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولًا هو بريء منه، ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج!
= = أنظر إلى الحق الذي معه.. فالـ….. من المفسدين في الأرض بلا منازع، وهو في المرتبة الأولى!
= = منذ أيام أفتى…. في مقال نشره على موقع الجمعية، وكرره في حوارات ولقاءات فضائية وصحفية بأن الدكتور محمد البرادعي -الوكيل السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية، ورئيس الجمعية الوطنية للتغيير- والدكتور يوسف القرضاوي -رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين- بأنهما من الخوارج، ودعا في المقال الذي نشره موقع الجمعية، قبل اختفاء الموقع نفسه لفترة، إلى قتل الدكتور البرادعي؛ إذا لم يتب عن دعوته للعصيان المدني، ورأى أن هذا الكلام ينطبق على القرضاوي إذا دعا إلى العصيان المدني!
ورأى…… في فتواه أن الدعوة التي أطلقها البرادعي للعصيان المدني -كنوع من المعارضة للنظام القائم؛ للتغيير، ولتحقيق الديمقراطية- هي نوع من الخروج على الحاكم!
= = ونشر موقع (مزبلة) خبرًا بعنوان: قام الشيخ…….. بشراء وجمع معظم النسخ، من كتاب
يفضح سيرته الذاتية والفقهية، أصدره الشيخ…….. بعنوان “……..في العراء”، حيث طافت ميليشيا تابعة للشيخ الـ……. على جميع المكتبات المصرية، وقامت بشراء جميع النسخ المتوفرة من هذا الكتاب؛ لحرمان القراء، ومنعهم من الاطلاع على الصورة الحقيقية له، والتي كتبها شيخ فاضل وعلامة (من علماء الازهر) هو الشيخ…… والكتاب يقع في 370 صفحة من الحجم الكبير……….وتضمّن الكتاب سردًا كاملًا لجميع فتاوى الـ….. التي فصلها لخدمة الشيوخ، وبعض الأثرياء العرب، وبعض السفارات الأجنبية في قطر، وبين الأغاليط فيها. ثم تناول الكتاب علاقة الـ…. المشبوهة بأجهزة المخابرات العربية والدولية! ومما جاء فيه:
– القرضاوي وزمرته يكفرون المسلمين الذين يحكمون بالقانون في البلاد العربية!
– القرضاوي يذم الوقوف لرسول الله، ويستحسن الوقوف لجنازة اليهودي!
– القرضاوي يمتدح الصهاينة، ويستهزئ بالله!
– القرضاوي يكفر المقلد!
– القرضاوي يكفر المسلمين، ويعتبر أن الخوارج مؤمنون!
– القرضاوي يبيح بيع الخمر، ولحم الخنزير، ويبيح أكله!
– القرضاوي يزعم أن من أدى الشعائر، ولبس الحرير الخالص، وتحلى بالذهب، وتشبه بالنساء، ليس عابدًا لله!
– القرضاوي ينكر الإجماع!
– القرضاوي ينسب الكذب إلى الله!
– القرضاوي يرى وجوب الأخذ بحساب المنجمين لإثبات رمضان بدل العمل برؤية الهلال!
– القرضاوي يستهزئ بالملائكة!
– قصيدة للمؤلف: “الشعر الكاوي لفدائح القرضاوي”
– قصيدة للشاعر غانم جلول: “النظم الحاوي لفضائح القرضاوي”
= = قلت: وإذا كُفر مجدد الأمة القرضاوي، فما أيسر أن يُكفَّر مغمور مثلي، فعندما أعددت أول برنامج تلفزيون لي قيل إنني مرتد!
وكنت نشرتُ في “المصريون” مقالة أنتقد فيها قلة خبرة طوائف من الإسلاميين، وسذاجة بعضهم، وتسرعهم نحو العمل السياسي، دون دربة أو بصيرة، لأفاجأ بكتابات في موقع بعينه تضعني خارج الإسلام، وتجعلني (مرتدًّا) لأني (استهزأت، وسخرت من الدين بسخريتي من سذاجة بعضهم، و….) وكان مما قاله عبقري منهم:
عرضتُ هذه الجملة: (سذاجة الإسلاميين) على دين الله عز وجل، فوجدتها (كفر) وردة، قال الله عز وجل: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وقال الله عز وجل: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون)، وقال الله عز وجل: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) وهؤلاء (استهزئوا) بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه! وقول القائل بإطلاق “سذاجة الإسلاميين” فهو تنقُّص من حملة الشرع/ وهو شامل للنبي صلى الله عليه وسلم/ وأصحابه/ وكل من انتسب للدين الإسلامي وأراد نصرته!
يا نهار أبيض؟ الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وكل من انتسب… إيه!؟
= = وعلق آخر -بعد أخينا الموفق هذا مباشرة- مؤكدًا كفري: قال الشيخ محمد بن أبرأهيم رحمه الله مفتي السعودية السابق: الاستهزاء بأهل العلم وأهل الخير، والهزل بالقران أو بالرسول، أو باسم من أسماء الله، كفر الهازل معلوم، كما في آية براءة؛ فإن الهزل بالقرآن ولو هو (يتعير) بلغة العامة، أو بالرسول، أو بذكر اسم من أسماء الله في عيارته وهزله؛ لما فيه من التهاون بالله! ثم يتبع هذا المستهزي بأهل الخير والطاعة والعلم.
وبعض أهل العلم ذكر أنه يكون ردة، إذا كان هذا ديدنه، أما كونه من أعظم العظائم ومن آية النفاق فظاهر!
وفي هذا المقدار كفاية، ليتضح الفرق بين السلفية الراشدة، والجنون الذي يقع فيه أشباه متعلمين، مضطربو الأفكار، ضعاف الأبصار، تائهو الأحكام، ينتسبون لكلمة شريفة، ابتلاها الله بهم، وبخطل عقولهم، وانحراف فهومهم! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!