د. علي السباعي يكتب: الطريق إلى الله (5)
كل ما هو طيب وجميل وحسن فقد أمر الله به، وكل شر وقبيح ومنكر وفاحش فقد نهى عنه، قال الله تعالى {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}.
وقال تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}.
فالله يحب أن يُعبد وحده ولا يشرك به شيئا، ويحب البر والإحسان وصلة الأرحام والعطف على الفقراء والمساكين ويحب المتطهرين ويحب إكرام الجار والضيف، واحترام الكبير، ورحمة الصغير، وبر الوالدين، ويحب الأمانة والصدق و«الوفاء» والعدل والعفة والنظافة وأكل الحلال، ويحب أن تؤخذ الأموال من الأغنياء وتُعطى للفقراء وهكذا، فكل جميل وطيب أمر الله عباده بإتيانه. وفي المقابل نهى عن كل شر وقبيح، فنهى عن إتيان الفواحش، وقتل النفس بغير حق، والكذب والنميمة وقطع الأرحام والغش والخيانة والغدر وأكل الحرام والسرقة وقطع الطريق والفساد في الأرض والظم والخيانة وهلمّ جرا.
وبالجملة، أنزل الله لنا في شريعته كل خير ونهانا عن كل شر، ولما كانت أحكام الشريعة هي المهيمنة على حياة المسلمين عاشوا الكرامة والعدل والأمانة والرحمة والعزة والخير الحقيقي، ولما كانت أحكام الشريعة مهيمنة على حياتهم كان قائدهم يقف على المنبر ويقول «لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها».
ولما كانت أحكام الشريعة مهيمنة على حياتهم كان قائدهم ترتعد فرائسه خوفا ووجلا ويقول «لو أنّ بغلة عثرت في العراق لخشيتُ أن يسألني ربي عنها لم لم تفسح لها الطريق يا عمر؟»
ولما كانت أحكام الشريعة مهيمنة على حياتهم كان قائدهم يأتي بحاكم مصر أمام الناس ويقول له «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟».
فانتشر الخير في الأرض، وعمّت البركة المعمورة، فكل بقعة تصلها جيوش الإسلام تصبح بقعة طاهرة مباركة طيبة، وإليك شهادة الغربيين حول هذه القضية:
يقول ادرسن (1)
«إن الإسلام جاء بالحضارة إلى القبائل البربرية الهمجية وحول جماعات منفصلة من الوثنيين إلى أمم، إنه جعل الخطوة مع العالم الخارجي ممكنة، أنه وسع النظر، ورفع مستوى المعيشة بإنشائه جوًا اجتماعيًا راقيًا، وأسبغ على أتباعه الوقار، واحترام النفس، واحترام الناس. إن الإسلام أدخل فن القراءة والكتابة، وبفضله تم تحريم تعاطي المسكرات.. والثأر والعادات البربرية الأخرى وجعل من الزنجي السوداني مواطنًا عالميًا».
ويقول ستودارد (2)
«لم يمض سوى اليسير من الزمن حتى كان السواد الأعظم من الأمم المغلوبة قد دخل في دين النبي العربي أفواجًا، إيثارًا له على ذينك الدينيين الذين صارا غاية في الانحطاط والتدنّي.. ولم يكن العرب قط أمة تحب إراقة الدماء وترغب في الاستلاب والتدمير، بل كانوا، على الضدّ من ذلك، أمة موهوبة جليلة الأخلاق والسجايا..».
ويقول جواهر لال نهرو (3)
«إن العرب كانوا في بداية يقظتهم متقدين حماسًا لعقيدتهم وأنهم كانوا مع ذلك قومًا متسامحين لأن دينهم يأمر في مواضع عديدة بالتسامح والصفح. وكان عمر بن الخطاب شديد الحرص على التسامح عندما دخل بيت المقدس، أما مسلمو إسبانيا فإنهم تركوا للجالية المسيحية الكبيرة هناك حرية العبادة.. والواقع أن أبرز ما يميز هذه الفترة من التاريخ هو الفرق الشاسع بين العرب المسلمين وتعصب النصارى الأوربيين!».
فهذه هي الشريعة، وهذا أثرها في العالم، ولكن استطاع أعداء الإٍسلام إسقاط الدولة الإسلامية، ولم تعد الشريعة مهيمنة على الناس، فظهرت الشرور والآثام والآلام والمعاصي والبغي والظلم والطغيان، واختفت أحكام الله من على وجه الأرض، وانتصر الكفر، وظهرت أحكامه، متمثلة في النظام العالمي الجديد والشرعية الدولية التي يهمين عليها رؤوس الكفر الخمسة «أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين».
الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية، فهؤلاء هم الذين يحكمون العالم اليوم عبر تشريعاتهم وقوانينهم، وهم الذين لهم حق «النقض = الفيتو» وكل واحد من هؤلاء من حقه أن يعترض على أي قرار يتخذه شعوب الأرض كافة.
فاليوم أرض الله تُحكم بغير أحكام الله وللأسف، فكل الشرور والآثام والظلم والبغي والعدوان الذي نراه في العالم اليوم هو نتاج طبيعي لأحكام الطاغوت وشريعة الشيطان التي تهيمن على الأرض اليوم، واستطاع أعداء الشريعة عبر الإعلام أن يصوروا لنا أن الشريعة هي مصدر الشرور، وأنها رمز التخلف والظلام، ولقد كرّس هذا المفهوم السيئ ممارسات بعض من ينتسب إلى الشريعة، فاستطاعوا بطيشهم ورعونتهم وغلوهم أن يصوروا للناس أن الشريعة هي قطع الرؤوس وتفجير المباني والأماكن العامة!، فارتمت العامة، وأشباه العامة، والمثقفين، وأشباه المثقفين، من هذه الأمة في أحضان شريعة «الشيطان = النظام العالمي الجديد»، وصاروا أدوات تحارب الشريعة السمحاء باسم محاربة التطرف والإرهاب والتخلف!.
فإذن هذه الشرور والظلم والعدوان والبغي الذي نراه لا يُنسب إلى الله ولا إلى شريعته ودينه، إنما هو منسوب إلى الشيطان وأوليائه.
ولقائل أن يقول، ولماذا خلق الله الشيطان وهو رأس الشرور وأبو الخبائث؟ وما تفرع عنه من كفر وفسوق وعصيان؟ أوليس الله خالق كل شيء كما قررتم في المقالات السابقة؟
سؤال وجيه، وسوف نجيب عنه في المقالات القادمة إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ ملاحظة: هذه السلسلة من المقالات تسعى للإجابة على أسئلة خطيرة تتعلق بصفات الله وأسمائه وأحكامه وقدره وتدبيره في خلقه، فلا يصلح إلا قراءتها مرتبة من أول مقال إلى آخر مقال فيها.
1ـ ج. ن. د. اندرسن S. N. D. Anderson
مستشرق بريطاني. من آثاره: (الشرع والفقه الإسلامي)، (صحيح القانون المقارن، 1949)، و(جريمة القتل في الإسلام، 19519. وغيرها.
2ـ لوثروب ستودارد Lothrop Stoddard
مؤلف أمريكي يتميز بسعة اطلاعه على معطيات العالم الإسلامي الحديث. ويعد كتابه: (حاضر العالم الإسلامي) من أهم المؤلفات الحديثة التي عالجت قضايا هذا العالم ومجريات أحداثه عبر النصف الأول من هذا القرن. وقد زادته قيمة علمية، التعليقات والإضافات الخصبة التي ألحقها الأمير شكيب أرسلان بطبعته العربية .
3 ـ جوار لال نهرو J. Lal Nahro
ولد في عام 1889، في مدينة الله آباد، في الهند، والتقى بغاندي في أوائل عام 1919، اعتقل عدة مرات، وانتخب رئيسًا لحزب المؤتمر الهندي الوطني عدة مرات، دخل الوزارة، وتولى الشؤون الخارجية، وأصبح نائبًا لرئيس المجلس التنفيذي، أول من تولى رئاسة الوزراء الهندية بعد استقلال الهند، له عدة مؤلفات في التاريخ والسياسة والشؤون الهندية، توفي عام 1964م.
ـ هذه التراجم من كتاب «قالوا عن الإسلام». لعماد الدين خليل.