مقالات

د. علي الصلابي يكتب: دلائل النبوة في قصة الفيل

قال بعض العلماء: إنَّ حادثة الفيل من شواهد النُّبوَّة، ودلالاتها، ومن هؤلاء: الماورديُّ – رحمه الله! – حيث يقول: آيات الملك باهرةٌ، وشواهد النُّبوَّة ظاهرةٌ، تشهد مباديها بالعواقب، فلا يلتبس فيها كذبٌ بصدقٍ، ولا منتحلٌ بحقٍّ، وبحسب قوَّتها، وانتشارها تكون بشائرها، وإنذارها، ولـمَّا دنا مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاطرت آيات نبوَّته، وظهرت آيات بركتـه، فكان من أعظمها شأناً، وأشهرهـا عياناً، وبياناً أصحاب الفيل…

إلى أن قال: وآية الرَّسول صلى الله عليه وسلم في قصَّة الفيل: أنَّه كان في زمانه حَمْلاً في بطن أمِّـه بمكَّة؛ لأنَّـه ولد بعد خمسين يوماً من الفيل، وبعد موت أبيه، في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأوَّل، فكانت آيةً في ذلك من وَجْهَيْن:

أحدهما: أنَّهم لو ظفروا؛ لسبوا، واسترقوا، فأهلكهم الله -تعالى- لصيانة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجري عليه السَّبيُ حَمْلاً، ووليداً.

والثَّاني: أنَّه لم يكن لقريش من التألُّه ما يستحقُّون به رفع أصحاب الفيل عنهم، وما هم أهل كتاب؛ لأنَّهم كانوا بين عابد صنمٍ، أو متديِّن وثنٍ، أو قائلٍ بالزَّندقة، أو مانعٍ من الرَّجعة، ولكن لـمَّا أراد الله تعالى من ظهور الإسلام، تأسيساً للنُّبوَّة، وتعظيماً للكعبة. ولـمَّا انتشر في العرب ما صنع الله تعالى في جيش الفيل، تهيَّبوا الحرم، وأعظموه، وزادت حرمته في النُّفوس، ودانت لقريش بالطَّاعة، وقالوا: أهل الله، قاتل عنهم، وكفاهم كيدَ عدوِّهم، فزادوهم تشريفاً، وتعظيماً، وقامت قريش لهم بالوفادة، والسِّدانة، والسِّقاية (والوفادة مالٌ تخرجه قريش في كلِّ عامٍ من أموالهم، يصنعون به طعاماً للنَّاس أيام منى)، فصاروا أئمَّةً دَيَّانين، وقادةً متبوعين، وصار أصحاب الفيل مثلاً في الغابرين.

وقال ابن تيميَّة -رحمه الله!-: «وكان ذلك عام مولد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان جيران البيت مشركين يعبدون الأوثان، ودين النَّصارى خيرٌ منهم، فعُلِمَ بذلك أن هذه الآية لم تكن لأجل جيران البيت حينئذٍ، بل كانت لأجل البيت، أو لأجل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ الَّذي ولد في ذلك العام عند البيت، أو لمجموعهما، وأيُّ ذلك كان؛ فهو من دلائل نبوَّته».

وقال ابن كثيرٍ -رحمه الله!- عندما تحدَّث عن حادثة الفيل: «كان هذا من باب الإرهاص، والتَّوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّه في ذلك العام ولد – على أشهر الأقوال – ولسان حال القدرة يقول: لم ينصركم يا معشر قريش! على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانةً للبيت العتيق؛ الَّذي سنشرِّفه، ونوقِّره ببعثة النَّبيِّ الأميِّ محمَّدٍ – صلوات الله، وسلامه عليه – خاتم الأنبياء».

د. علي الصلابي

كاتب وداعية إسلامي متخصص في التاريخ والفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights