د. علي محمد عودة يكتب: نجاح الحملة الصليبية الأولى.. وفشل الثانية
حين وصلت الحملة الصليبية الأولى الى بلاد المسلمين سنة ٤٩٠ هجرية وجدت أمامها أمة ممزقة منقسمة. فقد اندلعت حرب أهلية بين السلاجقة بعد وفاة السلطان ملكشاة سنة ٤٨٥ هجرية وانغمس فيها القادة السلاجقة بما فيهم ملك الشام تتش شقيق السلطان ملكشاة. وبعد مقتل تتش سنة ٤٨٨ هجرية انقسمت بلاد الشام بين اولاده وبقية القادة، ودخلوا في حروب أهلية بين بعضهم البعض، الأمر الذي سهَّل انتصار الصليبيين.
ومن أبرز قادة الحملة الصليبية الأولى الذين أثَّروا فيها وقادوها للنجاح والانتصار على المسلمين المنقسمين، وتأسيس أربع دول صليبية في داخل بلاد الشام. والجزيرة الفراتية والتوسع فيها القادة التالية اسماؤهم: وهم:
– بوهمند النورماني – بلدوين البولوني – جودفري دي بويون – ريموند الصنجيلي – تانكرد ابن أخت بوهمند النورماني.
وقد قاد بوهمند المعركة في أسكي شهر وانتصروا على السلاجقة (سلاجقة الروم) ثم أسس بوهمند إمارة أنطاكية الصليبية. وأسس بلدوين البولوني إمارة الرها الصليبية. وجودفري أسس مملكة القدس الصليبية وهزم الفاطميين الهزيمة الأولى وريموند الصنجيلي وضع الأساس لإمارة طرابلس الصليبية وتانكرد احتل مدن الجليل وكان الساعد الأيمن لخاله بوهمند.
أما الحملة الصليبية الثانية فقد جاءت سنة 542 – 543 هجرية رداً على إسقاط عماد الدين زنكي لإمارة الرها الصليبية سنة 539 هجرية. ولكنها عندما جاءت وجدت عماد الدين زنكي وابنه نور الدين محمود قد وضعا الاساس المتين للجبهة الإسلامية المتحدة.
وقد قاد الحملة الصليبية الثانية امبراطور المانيا كونراد الثالث بجيش يناهز مئة ألف مقاتل ومعه ابن أخيه الشاب فردريك بربرُسَّا، وملك فرنسا لويس السابع في جيش أقل عدداً من جيش كونراد الثالث.
وسار كونراد الثالث بجبشه العرمرم قبل لويس السابع ووصل إلى مضيق البسفور ثم اتخذ طريق الحملة الصليبية الأولى ولما وصل الى أسكي شهر (مكان المعركة التي انتصر فيها الصليبيون قبل 50 عاماً على قلج أرسلان الأول) فلم يروا امامهم أحداً، فاقاموا لأخذ قسط من الراحة بعد رحلة متعبة!!!
وكان السلطان مسعود قد استفاد من تجربة والده قلج ارسلان الأول، فأخفي جيشه خلف التلال والجبال المحيطة بالمكان ولما توقف الجيش الألماني لأخذ قسط من الراحة ودخل العساكر الألمان في نوم عميق باغتهم مسعود بجيشه القليل بهجوم صاعق مباغت فأباد تسعة أعشار الجيش الألماني وثأر لهزيمة أبيه السابقة في نفس المكان قبل خمسين عاما، وفرَّ كونراد جريحاً في فلول قليلة الى القسطنطينية وسقط مريضا.
ووصل ملك فرنسا لويس السابع الى مضيق البسفور. وصُدِمَ بهزيمة الجيش الألماني، ولذلك تجنَّب طريق الهزيمة التي حلَّت بالألمان وسار عبر سواحل آسيا الصغرى الجنوبية البعيدة عن المسلمين والمحاذية للمدن والقلاع البيزنطية، حتى وصل إلى أنطالية ورحل منها بحراً إلى أنطاكية ثم سار منها إلى مملكة بيت المقدس الصليبية فلحق به كونراد بفلوله المهزومة بعد شفائه من مرضه.
وقرَّر الصليبيون احتلال دمشق فزحفوا وحاصروها حصاراً شديداً وكان نور الدين مع أخيه غازي أمير الموصل يرقبان صمود دمشق من حلب لتقديم المساعدة عند الحاجة وصمدت دمشق بقوة وفشلت الحملة الثانية فشلاً ذريعاً. وعاد لويس السابع وكونراد الثالث الى أوربا بفلولهما يجران أذيال الخيبة والندامة، ولم تحقق تلك الحملة أي نصر للصليبيين.