د. فتحي أبو الورد يكتب: بلاد الإسلام أوطاني

أمقت العنصرية، وأبغض الطبقية، وأنفر من الافتخار بالأنساب أو الاعتزاز بمعايير الأرض على حساب معايير السماء، وأعلى شأن الروابط الإسلامية، والوشائج الإنسانية، وأسقط العنصريين من عيني، عربا كانوا أو عجما.
أعشق تونس الخضراء، وأهيم بالجزائر بلد المليون شهيد، وأطرب للمغرب، وأشتاق لليبيا وأهلها أحفاد المختار، وأنا متيم باليمن وأهله، أهل الحكمة والإيمان، وأحب العراق الأبي، وأهوى بلاد الحرمين مهبط الوحي ومبتدأ الرسالة، وأذوب حبا في فلسطين أرض الرباط والجهاد، مسرى الرسول وأرض المعراج، وأدعو لأهلها الطائفة المنصورة القاهرة لعدوها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وأهش للأردن بلد الأشاوس، وأهيم بلبنان بلد الرقي والثقافة، وتطيب نفسي بذكر الشام أرض العلماء والأدباء، وأحب السودان بلد الخير ونبع العطاء.
ولكل بلد مناقب ولأهله مآثر ومحامد. وحالي وحال إخوتي كما قال أبو تمام:
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا *** بالرقتين وبالفسطاطِ إخواني.
ثم أنا متيم بحب بلاد المسلمين قاطبة، وبحب كل بقعة أرض تطؤها قدم مسلم في الشرق أو الغرب، ومذهبي في ذلك مذهب من قال:
وكلما ذكر اسم الله في بلد ** عددت أرجاءه من لب أوطاني
مصر الهوى والري والنور والضياء
أما مصر فهي الهوى والري، وهي النور والضياء، وهي العين والقلب، فيها المولد والنشأة، بلد الحضارة والثقافة، وموطن العلماء والفقهاء والزهاد والقراء والأدباء والشعراء، بها الطور حيث كلم الله تعالى موسى، وبها الواد المقدس، وبها ألقى موسى عصاه، وبها فلق البحر لموسى، وبها ولد موسى، وبها كان ملك يوسف.
إنها أم الدنيا كما حكي عنها قديما لأنها كانت ملاذا لكل من يريد الأمن ولم يجده في وطنه. ولايتها تعدل الخلافة، وهي خزانة الأرض كلها كما قال تعالى على لسان يوسف: «قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم» قال العلماء: لم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كل حاضر وباد.
على حدود مصر وقف الزحف التتري، وارتدت الهجمة التترية عن بلاد المسلمين، وسقطت أسطورة التتار في عين جالوت.
وعلى أعتابها كسرت شوكة الصليبيين في حطين، واندحرت الحملات الصليبية عن بلاد المسلمين، وعلى ثغورها سقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر في العاشر من رمضان السادس من أكتوبر.
ولا يوجد تعارض بين حب الأوطان والاعتزاز بالعروبة والانتماء للإسلام، فإذا جاء من يعلي رحم القوميات على رحم الإسلام، أو يعتنق العصبية والعنصرية والقبلية على حساب رابطة الدين والعقيدة، ويتنكر للقيم والمبادئ والأخلاق، ويفتخر بالآباء والأجداد، قلنا له أخطأت وتجاوزت الأصول، وأتيت شططا، فإن الإسلام رحم بين أهله، وإن أردت أن تفتخر فردد معي قول الشاعر الأموي نهار بن توسعة:
ابي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
وما كرم ولو شرفت جدود *** ولكن التقي هو الكريم