د. محمد الموسوي يكتب: «الاغتصاب».. من ثوابت نهج النظام الإيراني
على الرغم من قبح الأمر ووحشيته إلا أنه في ظل نظام بربري همجي ظلامي كنظام طهران أمر طبيعي، وماذا يمكن للمرء أن يتوقع من نظام استخدم الدين لأجل السلطان والسلطة ولم يتقي الله في دينه ولم يعدل ويتقي الله في مسن أو طفل أو امرأة استباح المال العام ولم يجد في ذلك حُرمة أو كراهية،
واستباح حق وأموال الغير وأرواحهم ودمائهم وأعراضهم، ولم يكن ما جاءت به منظمة العفو الدولية ليس بجديد وما هو إلا نذر يسير وقليلُ من كثير؛
فتاريخ نظام الملالي حافل بهذه الممارسات منذ استيلائه على سلطة الشعب ولم يسلم من بطشه حتى أنه ببعض رجال الدين ممن كانوا معه؛
ومع أن تقرير منظمة العفو الدولية الأخير حول الاغتصاب كنهج متبع لدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في نظام ولاية الفقيه قد متأخراً جداً ومختزلا موجزاً إلا أنه سلط الضوء بشكل مباشر من قبل مؤسسة عالمية مهنية محايدة ومستقلة على جرائم وقبح نظام الملالي وأن يأتي التقرير بهذا الإيجاز والاختصار خيرٌ من أن لا يأتي، وتقرير العفو الدولية الذي تحدث عن سجل ممارسات أجهزة النظام في مرحلة محدودة تنحصر في إطار عام ونصف تقريباً..؛
يُعتبر سابقة مهنية عالية وشجاعة ومنصفة، ولم تتجرأ مؤسسات دولية أخرى على فضح هذه الجرائم على الرغم من اطلاعها عليها، ويبدو أن التقرير قد استغرق وقتاً في التقصي والبحث والدراسة حتى يصدر للعلن على الرغم من استحالة استقاء هذه الحقائق من داخل دوائر الملالي أنفسهم بشكل شفاف وقانوني إلا في حالات معينة كبيع عناصر النظام أنفسهم لهذه المعلومات أو انشقاق أحد عناصر النظام في هذه المؤسسات أو تعرضها للقرصنة،
كذلك يصعُب استقاء حقائق ما يجري من هكذا ممارسات قذرة قبيحة من الضحايا أنفسهم في سجون الأجهزة الأمنية والاستخبارية للملالي أو حتى من كثير من الناجين منهم ذلك لأنهم تحت الضغوط والمراقبة ويتعرضون للابتزاز من قبل تلك الأجهزة القمعية البربرية المنحطة، وفي مجتمع شرقي محافظ كالمجتمع الإيراني تخشى الضحية من نشر ما أُلحِق بها من عار سواء كانت امرأة أو فتاة أو رجلا، وفي بعض الحالات تتم عملية الاغتصاب في سيارات تلك الأجهزة الوحشية ويتم مساومة الضحية بها حتى لا تطالب بأي حق قانونيا لها مستقبلا في حال حدوث عاهة لها أو مكروه آخر،
وتبدأ هذه الممارسات الإجرامية مع الضحايا بدءا من الاعتقال وحتى نهاية التحقيق الذي يجري فيه الكثير من هذه الممارسات التي أشارت إليها منظمة العفو الدولية حيث تنهار الضحايا سريعا في أغلب الحالات أمام المحققين السفاحين وتقبل بما يكال لها من اتهامات أو بما يُطلب منها، وإن نجى من الضحايا أحداً فإما أن تخرج الضحية معوقة، أو مصابة بانهيار عصبي يقودها إلى الانتحار أو الانطواء الأبدي على ذاتها وأفضل الحالات هي تلك التي تتمالك نفسها وتجد العون على مغادرة إيران إلى مصير مجهول بلا رجعة وينتهي المطاف بالضحية إلى نهاية مأساوية.
من يحكم إيران اليوم
لا يزال الظاهر للعيان بعد قرابة 45 سنة مُهلكة بأن من يحكم إيران زمرة من رجال الدين وهذا أمرٌ خاطئٌ تماماً حيث لا علاقة للملالي سلاطين إيران الحاليين بالدين على الإطلاق لكنهم ارتدوا رداء الدين لخداع البسطاء من الناس والاستحواذ على السلطة؛ واستعانوا في حكم إيران على مجموعة من الجهلة والعصابات كأدوات لإدارة شؤون البلاد بخطاب أجوف ركيك كان من الأجدر أن يتطور على مدار الـ 45 سنة الماضية لكن ذلك لم يحدث لسبب واحد وبسيط وهو أن القاعدة الأساسية لمنظومة حكم الملالي كانت قاعدة من سراب بُني على باطل ليس لها من قرار وبالتالي فإن ما بُني على باطل هو باطل ويبقى كذلك حتى يزول.
لم يمتلك ملالي إيران من الإسلام إلا اسمه ومن شرعه سوى رسمه ومن العلم والعدل والثورية سوى الادعاء، أما القمع والاغتصاب والقتل والإعدامات والاضطهاد والإرهاب والفقر والجوع والغلاء فقد كان حقيقة فضح تقرير منظمة العفو الدولية جزءاً منها.. وهو الجزء المتعلق بالانتفاضة الوطنية الإيرانية 2022/ 2023..، ولم يكتفي الملالي بما أحدثوه وأوقعوه في إيران بل نقلوه نسخةً كاملة أكثر تعاسة إلى العراق واليمن وسوريا ولبنان، وها هو يصل فلسطين كوباء يشارك الاحتلال الإسرائيلي الجريمة ضد الشعب الفلسطيني المنكوب.
من تقرير منظمة العفو الدولية
لقد ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد لها موثقٌ صدر في 120 صفحة بتاريخ 6-12-2023 ونُشِر على صفحتها: أن قوات الأمن في إيران استخدمت عمليات الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي التي وصلت إلى حد التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لترهيب المحتجين السلميين ومعاقبتهم إبان الانتفاضة التي اندلعت عام 2022.
يوضح هذا التقرير بالتفصيل التجارب المريرة القاسية التي عاشها 45 ناجياً من معتقلي الانتفاضة الوطنية، ويحتوي على روايات لـ 26 رجلاً، و12 امرأة وسبعة أطفال وقعوا ضحايا للاعتداء الجنسي والاغتصاب الجماعي وأشكال مختلفة من العنف الجنسي على يد القوى الاستخباراتية والأمنية، في هذا التقرير، تم تشخيص عملاء الحرس الثوري، وميليشيا البسيج، ووزارة المخابرات وفروع الشرطة من بينها شرطة الأمن العام والتحريات والوحدة الخاصة، كمتهمين.
ويفضح هذا التقرير الذي يصف سيناريوهات مرعبة استخدام الهراوات الخشبية والمعدنية والقوارير الزجاجية والخراطيم وحتى الأعضاء التناسلية وأصابع الجناة لارتكاب جرائم عنف جنسي، وقد تم تنفيذ هذه الممارسات في المعتقلات وسيارات الشرطة والأماكن مثل المدارس أو المباني السكنية التي تم استخدامها لهذا الغرض.
بالإضافة إلى ذلك يشير التقرير إلى أن العنف الجنسي كان مصحوباً في كثير من الأحيان بأساليب تعذيبٍ مثل الضرب والتنكيل، والصدمات الكهربائية، والحرمان من الطعام والماء، وظروف احتجاز وحشية، وحُرِم الناجون من الرعاية الطبية بشكل دائم، وقد أدى هذا الأمر إلى تفاقم أضرارهم الجسدية والنفسية.
وتقول أنياس كالامار الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية إن “بحوثنا تكشف كيفية استخدام عناصر المخابرات والأمن في إيران للاغتصاب وغيره من ضروب العنف الجنسي لتعذيب المحتجين بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عاما ومعاقبتهم، وإلحاق أذى بدني ونفسي طويل الأمد بهم، وتشير الشهادات المرعبة التي جمعناها إلى وجود نمط أوسع فيما يخص استخدام العنف الجنسي كسلاح هام في ترسانة قمع الاحتجاجات وإسكات أصوات المعارضة المتوفرة لدى السلطات الإيرانية للتمسك بالسلطة مهما كان الثمن”.
“لم يتواطأ أعضاء النيابة والقضاة في إيران من خلال تجاهل شكاوى الناجين والناجيات بالتعرض للاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي أو التستر عليها فحسب بل استخدموا أيضا ‘الاعترافات’ المشوبة بالتعذيب لتوجيه تهم زائفة ضد الناجين والناجيات وإصدار أحكام عليهم بالسجن أو الإعدام، وقد حُرم الضحايا من أي ملاذ يلجؤون إليه أو أي سبل للإنصاف؛ وهناك فقط إفلات مؤسسي من العقاب، وإسكات للأصوات، وندب جسدية ونفسية متعددة عميقة وبعيدة المدى”.
جاء تقرير منظمة العفو الدولية بجرأة على ما قد نستحي نحن الرجال من ذكره أو كتابته في هكذا مقال الأمر الذي أرى فيه أنا شخصياً أنه تقريراً في غاية المهنية والشجاعة التي تفوق شجاعتنا نحن الذين ندعي الشجاعة، ولقد أوردنا جزءا من محتوى التقرير في هذا المقال تنويرا للرأي العام ومن يرد متابعة التقرير كاملا يمكنه متابعة الرابط أدناه/
إيران: قوات الأمن استخدمت الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي لسحق انتفاضة “المرأة – الحياة – الحرية” مع الإفلات من العقاب – منظمة العفو الدولية (amnesty.org)
لقد كان تقرير منظمة العفو الدولية الذي غطى أكثر من نصف محافظات إيران تقريراً شجاعاً منصفاً يستحق الإشادة والتقدير في الوقت الذي تتستر فيه ما تسمى بالشرعية الدولية على جرائم النظام وتتغاضى عنها.. لا بل وتحاول تلميع صورة هذا النظام بما لا يستحقه غير مدركة أن تلميعها هذا لن يغير من قبح وجه نظام الملالي وفي نفس الوقت سينال من الشرعية الدولية ويحط بما من شأنها أرضاً ويمرغه في الوحل أكثر مما هو عليه.. مسكينة تلك الشرعية الدولية مغشيٌ عليها في غرفة العناية المركزة وقد لا تخرج منها حتى إشعار آخر.
د. محمد الموسوي
كاتب عراقي