د. محمد عياش الكبيسي يكتب: أعوذ بالله من الشيطان والسياسة
أعوذ بالله من الشيطان والسياسة
مهلا لست أنا مع هذا الشعار ولكن.
لست معه لأن السياسة؛ هي الدولة والنظام والجيش والأمن والوزارات والمدارس والجامعات والمستشفيات والخدمات ووثائق التملك والوظائف والحقوق ومتطلبات الإقامة والسفر والعلاقات الدولية والسفارات.. الخ
فكيف نستعيذ بالله من السياسة وحياتنا كلها مرتبطة بالسياسة؟
أما (لكن) فلأن السياسة تغولت فابتلعت كل شيء حتى الدين والثقافة والأخلاق والعلاقات الاجتماعية والأسرية.
أذكر قبل أكثر من ربع قرن دعيت إلى محاضرة عامة في الأردن العزيز يلقيها أحد الدعاة الربانيين المعروفين، وكان قد حل ضيفا على الأردن، فكان مما قاله وهو يتفرّس في وجوه الحاضرين: أعوذ بالله من الشيطان والسياسة، فثارت ثائرة الناس، فهدّأهم بقوله: أنا أعلم أن السياسة داخلة في الأحكام الشرعية، فشمولية الإسلام تستوعبها، لكن علاقتنا بالله أساسها؛ التوحيد الصافي والعبادة الخالصة والخضوع التام لشريعة الله، وبغير هذه الأسس فإن تحرير فلسطين لن ينقذك أنت من النار!
لقد كان الشيخ بهذه الصراحة يعالج خللا منهجيا وتربويا أدركه ببصيرته.
ثم يقدر الله تعالى أن يكون لي مع الشيخ لقاءات طويلة ومثمرة وأذكر مرة حدثني بمرارة عن برنامج إحدى الجماعات الإسلامية قال: ما هذا؟ قرأت البرنامج كلمة كلمة فلم أجد فيه أي اهتمام للتربية على معاني التوحيد والإخلاص ومحبة الله ورسوله والخشوع والمراقبة والخوف من الله والاستعداد لليوم الآخر، بينما المنهج مليء بالأهداف الدنيوية مثل؛ الحرية والتنمية والحضارة، وهذه أهداف تشاركنا فيها كل شعوب الأرض، ونحن لم نحققها في تاريخنا إلا بقيمنا الإسلامية الأصيلة وبدعوتها العالمية العظيمة، فكيف صرنا نطلب بعض الثمار ونترك أصل الشجرة وجذورها وتربتها؟ ثم أين هي هويتنا وخصوصية دعوتنا؟
حفظكم الله شيخنا الكبير، تعال وانظر اليوم كيف أنتجت هذه التربية المعكوسة نمطا من «الإسلاميين» لا يهمهم الدين بقدر ما تهمهم الدنيا، ولم تعد السياسة عندهم وسيلة لخدمة الإسلام وأمة الإسلام، بل العكس، فترى هذا «الإسلامي الجديد» لا ينتفض لانتشار مظاهر الشرك والبدعة والخرافة والطعن بثوابت الإسلام وهويته وتاريخيه إذا كان الذي يقوم بكل ذلك يجيد الخطاب السياسي أو «الذكاء السياسي» على حد تعبير أحدهم.
إنها في الحقيقة قيم العلمانية الغربية التي لبست لباس الإسلام، القيم التي تقدّس الأرض أكثر من خالق الأرض، والتي تقلب الحق باطلا والباطل حقا بحسب المواقف السياسية والدعايات الإعلامية،
القيم التي تطلب مني أن أمجّد المشعوذين والدجالين والمنافقين وأطعن في الصحابة الفاتحين والأولياء الصالحين.
فإن كنت يا شيخنا تستعيذ بالله من هذه السياسة فإني أشهد الله أنني معك وسأردد ما حييت:
اللهم إنا نعوذ بك من الشيطان والسياسة.