د. محمد عياش الكبيسي يكتب: أهل الله

منذ سنوات وصلتُ إلى هذه المنطقة النائية فشعرت بأنفاس أهل الله حاضرة في هذا المكان(علما وعملا وأدبا ومحبّة وخدمة)

مئات (الأحباب) يعملون كخلايا النحل، بلا ضجيج ولا خلافات ولا مشاكل، بل رأيتهم يتنافسون على خدمة بعضهم بعضا، لم تخترقهم أدوات (المجاملات الدبلوماسية الباهتة)، ولا غرور (الأفكار الاستراتيجية القاتلة) ولا ثقافة (تضخّم الأنا) تحت شعار (التعبير عن الذات) و (بناء الشخصية القوية).

في تلك الزيارة مكثت أياما بلياليهن في مسجدهم ومدرستهم الشرعية، وهما في غاية الفقر والبساطة، كما ترونهما في الصورتين المرفقتين. لكني تعلقت بهما وشعرت بالسكينة والراحة القلبية فيهما.

اليوم شددت رحالي إليهم وقلبي يخفق بحبهم، فسعدت كل السعادة وأنا أراهم وأرى هذه الهمم العالية التي جعلتهم يضحون بكل شيء من أجل تعمير مسجدهم ومدرستهم، -مرفق صورة التعمير الجديد-.

قال لي شيخهم الصالح: اعذرنا يا شيخ محمد إذا كانت لغتنا لا تستطيع أن تعبّر عن كل سعادتنا بهذا اللقاء.

فقلت: الحال يا شيخنا أبلغ من المقال كما يقولون، أما حالكم فلا يحتاج إلى مقال.

صافحتهم وقبلت رؤوسهم وأيديهم وقلبي يردّد (أبحبّ أحبابي أُلام – لا والذي خلق الأنام)

يا إخوتي يا أخواتي صحيح أن الإسلام دين شامل فيه العبادات والمعاملات والمعارف والمناظرات والدعوة والقتال، وفيه فن بناء الشخصية وفن التحاور مع الآخر، لكن هذه كلها كالجوارح والحواس والأعضاء والأدوات إن نزعت منها الروح فقدت تأثيرها وفاعليتها، بل ربما تتحول بعض المفاهيم الدينية إلى أدوات للتقاطع والتدابر والتنابز بالألقاب.

إذا كان التطوير (المزعوم) يؤدي إلى خراب النفوس بالغرور والتكبر، ويؤدي إلى تقطيع الأرحام بالمغالبة وسوء الظن فيا نفس موتي قبل أن تتطوري.

أكرر حبي واحترامي وتقديري لهذا النموذج الإسلامي الأصيل والصادق، ولو كنت أعلم أنهم يرضون أن أعرف بهم لفعلت.

في هذا الثغر الممتد من ثغور الإسلام انتقلنا قبل قليل إلى مكان آخر يبعد عن الأول 100كم فوجدنا الإخوة هنا كما إخوانهم هناك يتنافسون في إقامة صروح العلم والتزكية.

بارك الله بالعلماء الصالحين المصلحين، وبارك الله بالشباب العاملين، وبارك الله بالإخوة المنفقين (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)

د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية إسلامي، دكتوراه في الفقه الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights