د. محمد عياش الكبيسي يكتب: أين سيكون موقع شعوبنا بعد هذا الطوفان؟ (2)
إنه لابد من تشخيص دقيق للوضع الذي يعصف بنا اليوم، والذي تداخلت فيه الخنادق والبنادق، إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوّره، والعلاج قبل التشخيص علاج ضرره أكبر من نفعه.
عودة سريعة للوراء حيث خرج صدّام حسين –رحمه الله- منتصرا على إيران في 8-8-88 بعد حرب الثماني سنوات، واللافت هنا أنه في أوج احتفاله بالنصر كان يقول: (خرج اللاعبون الصغار، وسيدخل اللاعبون الكبار)، لم نفهم في وقتها ماذا يقصد، لكنه اتضح الآن أنه ربما كان يملك معلومات عن تدخّل أمريكي وشيك، وبالفعل فبعد سنتين تقريبا دخل الجيش الأمريكي في العراق، ثم فرض الحصار، ثم كان سقوط بغداد المروّع.
تصدير الديمقراطية
في ذلك الوقت كنّا نتخوف من أن أمريكا ستجعل من العراق نموذجا للحياة الغربية من أجل «تصدير الديمقراطية» وإقناع شعوب المنطقة بها، ولم يكن يخطر على بال أحد أن تسلّم العراق لحكم (المرجعيّات) والمليشيات الطائفية المرتبطة 100% بإيران، بل إن أمريكا عمدت إلى تسليم الحكم لأشخاص كانوا يقاتلون العراقيين مع الإيرانيين مثل الحكيم وهادي العامري.
تجدر الإشارة هنا إلى أهمية التذكير بفضيحة «إيران غيت» أو «إيران كونترا» حيث كانت الأسلحة الإسرائيلية تتدفق على الحرس الثوري الإيراني لمقاتلة العراق، وللتذكير أيضا أن ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي كان في الوقت نفسه الذي كان فيه الجيش العراقي مشغولا بالدفاع عن أرضه وكرامته أمام مشروع «تصدير الثورة» والذي يعني فيما يعنيه احتلال العراق والدول العربية الأخرى.
ثار السنّة لوحدهم بوجه الاحتلال الأمريكي في مقاومة ربما لم يشهد لها التاريخ مثيلا، وكان قادة السنّة يتمنون أن لو تمكنوا من إقناع الشيعة بالمشاركة حتى تبدو للعالم على أنها مقاومة شعبية عامة، لكنهم فشلوا في ذلك، وفي مقابلة لي مع حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية فشلت أيضا في إقناعه للتوسّط عند شيعة العراق في ذلك، ولا حتى إقناعهم بالكف عن مساعدة الأمريكان في تدمير المحافظات والمدن السنّية.
المحور الإيراني
اليوم كأنّ الصورة انقلبت، حيث أصبح المحور الإيراني أو الشيعي هو السند العسكري الوحيد للمقاومة الفلسطينية فما الذي حدث؟
لا أحب تسطيح الأمور بعبارات «المسرحية» و«الألعاب النارية» حتى لو كان ذلك واردا في بعض الحالات.
الحقيقة أن المتابع للأمور يكتشف بوضوح أن إيران كانت جادة في بناء «جدار الصدّ» وكانت تنقل عبر العراق ترسانة ضخمة من الأسلحة بمختلف أنواعها، إضافة إلى منصات الصواريخ إلى سورية ولبنان، واليمن أيضا، وكأنها تستعد لمعركة كبرى مع دولة كبرى أو مجموعة دول! وعليه فيمكن أن تأتي عملية (تسليح حماس) في هذا الإطار-هذا بالنسبة للمنظور الإيراني- مع الفارق طبعا في النوايا والأهداف.
«إسرائيل» من طرفها كانت قد دخلت مبكرا في اشتباكات متقطعة مع «جدار الصدّ» هذا، فقامت بغاراتها المتكررة على مقرات المليشيات الإيرانية في سورية، وعلى طرق الإمداد المتوجهة إلى «حزب الله» كل ذلك كان قبل السابع من أكتوبر بسنوات.
ولذلك فإن فكرة؛ أن «وحدة الساحات» كان هدفها دعم أهل غزّة أو تحرير القدس، تبدو فكرة خارج السياق، وأن المقصود منها عند من يروّجها في الوسط «السنّي» إنما هو مساعدة إيران في «تبييض وجهها» وتزوير الحقائق التاريخية القريبة.
أما لماذا حصل هذا التحوّل في العلاقات الإيرانيّة الإسرائيلية + الأمريكية؟ وما الذي سيترتّب على هذا التحوّل؟ وتأثير كل ذلك على شعوب المنطقة، فربما نتناول ذلك كله في الحلقة أو الحلقات القادمة، وبإيجاز شديد. والله المستعان