مقالات

د. محمود خليل يكتب: عمارة يعقوبيان.. وثقافة الشذوذ

فارق كبير بين أن تعالج الفساد.. فتغوص فيه.. بغية البحث عن وسيلة للعلاج.. وتقديم رؤية للإصلاح!!!

وبين أن تعالج الفساد فتغوص فيه.. فتخرج موحولاً.. «ملوثاً موكوساً» ولا تملك سوى السقوط والانبطاح

و«عمارة يعقوبيان».. إحدى المعالجات الفنية القميئة المنتمية للنوع الثاني من هذه المعالجات..

يتلخص العمل الروائي -التمثيلي، الذي قدمه الطبيب (النصف موهوب) علاء الأسواني نجل الكاتب الصحفي الراحل -النصف موهوب أيضاً- عباس الأسواني.. صاحب «المقامات الأسوانية» في حكاية روائية سابقة، تقدم بها «علاء» منذ ست سنوات، لاقت شهرة من سبق إصرار كاتبها على تجاوز المحرمات تحت إدعاء «أدب المكاشفة»!

وهو الأدب الذي يمد الكاتب فيه حواسه الخمس إلى «الصندوق الأسود» لأسرار الحياة المعاصرة، الزاخرة بالمتناقضات والانفلاتات، والمزدحمة بالعجائب، والمختلطة إلى الحد الذي تعينك فيه على أن تقرأها تحت أي منظور، وأن تبصرها تحت أي مجهر، وأن توجهها إلى أية ناحية، وأن تحاصرها في أية زاوية…

ولأن العنـوان هو «عتبة النص» كما يقولون، فعمارة يعقوبيان تحملك من عنوانها إلى «جـوٍ أرمني» قديم، تختلط فيه الثروة بالمؤامرة، والجنس بالسياسة، والخيانة بالوطنية، والإلحاد والكفر بالدين، والوهم بالحقيقة.. والماضي بالحاضر،

جدير بالذكر أن نقول للقراء والمشاهدين أن عباس الأسواني، والد علاء كاتب النص، إلى جوار عمله صحفيًا بجريدة (الجمهور المصري) كان يعمل مستشاراً قانونياً لنادي السيارات الملكي، الذي يضم أمراء ونبلاء ونخبة من الباشوات، ذوي المرتبة العالية في ذلك الزمان.

وفي هذا المجتمع الفارغ اللاهي، كان عباس الأسواني رفيقًا شخصيًا للنبيل (عباس حليم)، وكان هذا الجو مشحونًا بملذات الأثرياء المترفين.. من كل الجنسيات.. انجليز، روس، أمريكان،.. كما يروي صديق والده الخاص وصهره الرسام الأرمني (طوغان)،.. زوج بنت خالة زوجته.

وزيادة على ما سبق فإن عباس الأسواني كان يمارس المحاماة من الخارج.. وكان قد اتخذ له مكتبًا بعمارة يعقوبيان السالفة الذكر والتي جمع علاء مادتها من كناسة دكان والده.

علاء الأسواني يتاجر فنيًا وأدبيًا بقصاقيص أوراق مكتب أبيه بعمارة يعقوبيان.

ومن ثم فالعمل الروائي الرديء لعلاء الأسواني يقدم عدة نماذج بشرية متوازية حيناً ومتقاطعة حيناً أخر.. بين سكان العمارة القائمة بمنطقة وسط البلد من بقايا مجتمع الباشوات الذين ضيّع انقلاب 23 يوليو أحلامهم، والتهم ثرواتهم، فانكبوا على ما تبقى تحت أيديهم من ملذات في حياة مضطربة ومغلوطة بينه وبينه، وبين أشتات من السكان الجدد الذين كانوا طفحًا سيئًا لمجتمع الاختلالات الذي نحياه الآن.

مجمع أوبئة

فهناك ابن الباشا «زكي الدسوقي» الذي صادرت الثورة حلمه في أن يكون وزيرًا.. فانكب على ملذاته والذي جسد شخصيته «عادل إمام» وهناك شقيقته التي قررت السقوط .. فتحولت إلى «..؟؟؟.!!!….» مقابل عدة جنيهات! وقد قامت «إسعاد يونس» بدور هذه الشقيقة «دولت هانم»! ثم تتعدد النماذج الكريهة التي قرر الكاتب أن يجمعها جميعًا في هذه العمارة السيئة السمعة.. فهناك شخصيات: 

«محمد غرام» ماسح الأحذية.. الذي اتجر بالمخدرات فأثرى، ثم تستر بتجارة السيارات وأصبح من سكان هذه العمارة، والذي قام بدوره «نور الشريف»..

وهناك «كمال الفولي» الوزير السابق.. الذي يمثل الوسيط الفاسد لدى الحزب والحكومة.. من خلال «بونديرة» يحددها لكل مهمة.. خاصة عضوية مجلس الشعب والتي تصل إلى نصف ثروة طالب غطاء الحصانة!!

وهكذا فإن سكان العمارة «خليط» موبوء من نفايات أبناء الأمس وضائعي أبناء اليوم.. لا يجمعهم سوى الانحراف والفساد والسقوط والتردي الأخلاقي.

حتى حجرات سطوح هذه العمارة السيئة السمعة «عمارة يعقوبيان» فإن بؤرة جرثومية من أحداث الرواية تدور فيها حيث يسكنها بعض الفقراء والمطحونين.. مثل «بثينة السيد» البنت الفقيرة التي تضطرها قسوة الحياة أن تعمل بائعة في محل ملابس.. والعمل الإضافي لها بمخزن هذا المحل حيث يمارس صاحبه معها الرذيلة مقابل عشرة جنيهات! والتي قامت بدورها «هند صبري»!

أما «طه الشاذلي» فهو ابن البواب الذي أراد الالتحاق بكلية الشرطة، فوقف تسفله الاجتماعي حائلاً دون ذلك فامتلأ حقدًا وغلاً على المجتمع بما فيه ومن فيه.. فقرر الهروب من ذل الفقر ومرارة الإحباط.. فانضم إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة! والذي قام بدوره «محمد إمام»!

أما خيبة الأمل الفادحة.. فقد حملها أحد سكان العمارة المنكودة وهو الصحفي «حاتم رشيد» والذي جسد أحط صور الانحراف والشذوذ في تاريخ السينما المصرية على مدى مائة عام وأكثر.. حيث الصحفي.. رجل البحث عن الحقائق.. رجل شاذ يصطاد زبائنه من جنود الأمن المركزي.. وللأسف الشديد فإن الممثل «خالد الصاوي» الذي جسد هذا الدور الشائن، لا زال يدافع عنه بشدة، بل ويؤصل له ثقافيًا وفنيًا، ويقول: «لقد كان هذا الدور الذي قمت به هو رهاني الأكبر»!، وكم كنت أحلم بتجسيد شخصية الشاذ جنسيًا من زمان لأنها صعبة وجريئة!

والذوق الأدبي يجبرنا على أن نقرر أن الأديب والمفكر خاصة الروائي والمسرحي والسينمائي، حر في عالمه تمام الحرية، ومطلق السراح في تسيير وتشكيل شخوصه وعالمه الروائي كما يشاء.

لكن هذا الذوق أيضًا، يجبر ذلك الأديب على أن يجسد الانطباع العام، الذي يخلق الصورة الذهنية، ويترك البصمة الفنية في نفس القارئ والمشاهد.. الأمر الذي ضاعت خيوطه من بين أيدي علاء الأسواني.. وانماعت في عالم الرواية المترهل، الذي تلاطمت شخوصه وترنحت أحداثه فخرجت الرواية وهي عمل مائع مثير للغثيان.

أراد الكاتب ان ينتصر لبعض القضايا فقدّم نماذجه الشائهة لسلوكيات شاذة، أطاحت بالهدف الفني للرواية.

هكذا فالعمارة من «ساسها لراسها» فساد في فساد.. وانحراف في انحراف.. فهي «مجمع أوبئة» سياسية وأخلاقية وفكرية .. من الرشوة إلى استغلال السلطة إلى الشذوذ إلى الفساد الأمني والحكومي.. إلى التهتك والتفكك الاجتماعي إلى!

إلى ما سبق.. فإن الفيلم لا يقدم أية رؤية فكرية أو حراك درامي لهذه «الأوساخ» السلوكية التي قدمها بإلحاح وتركيز، فخرج (إعدادًا وإخراجًا) من حالة الإشارة إلى الجريمة، إلى حالة التلبس بالجريمة، والتماهي معها، والدعوة إليها.. بل والدفاع عن مرتكبيها بكل توقح واستفزاز.

أين الرقابة

لكن بعد هذا الوباء الذي جمعه كاتب الرواية علاء الأسواني من دكانة أبيه بعمارة يعقويان،.. وجسده المخرج «مروان حامد» ابن كاتب سيناريو الفيلم وحيد حامد.. (ومن شابه أباه فما ظلم).. فما هي القضية الأساسية التي انتصر لها هؤلاء المغاوير.. الذين جمعوا في فيلمهم أكبر عدد من النجوم، وخصصوا له أكبر ميزانية للإنتاج والدعاية (22 مليون جنيه) وعرضوه في دول العالم المختلفة (التي انتصروا لشذوذها) قبل أن يعرضوه على العرب.

ومع ذلك.. فأنت لا تستطيع أن تمسك بأي خط درامي في الفيلم أو الرواية لتصل معها إلى نهاية فنية صائبة.. اللهم سوى الخوض المتلاحق في الأوحال.

وغني عن البيان أن نقول أن «اللبانة» التي قتلها «وحيد حامد» مضغًا، و«العلكة» التي يتشدق عليها منذ ربع قرن من الزمان.. هي قضية الصحوة الإسلامية.. فلا ندري ما الذي يملأ قلب هذا الرجل حقداً وكمداً على كل ما يمت لها بسبب.. هل هو أكل العيش؟ فتحولت مادة الصحوة الإسلامية لديه إلى «سبوبة» تربّـح من ورائها «الإرهابي» و«طيور الظلام»، ….، …..، … و«عمارة يعقوبيان»..

هل هو «خوفه على البلد» الذي لا يفتأ أن ينثر في وجه أبنائه الأدناس والأوساخ، بين الحين والآخر. هدانا الله وإياك.. يا وحيد ياحامد.. وهدى أبناءنا وأبناءك.

أما «علي أبو شادي» فيلسوف النقد المعاصر!.. فيقول: «على الفن أن يستعرض القضايا ولا يقدم حلولاً، والفن الذي يقدم حلولاً يخدع الناس».. وذلك في صدد دفاعه عن هذا الفيلم القميء.. تماًمًا كدفاعه السابق عن أعمال أكثر هبوطًا وإسفافًا وسقوطًا، وباعتباره كان رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية يقرر «لا علاقة لنا بالشأن الديني إلا عندما تتناول النصوص عملاً دينيًا أو تاريخيًا».. (وهذا كلام أعوج وبطّال، بل أشد عوجًا وبطلانًا من سكان عمارة يعقوبيان ذات نفسها)..!!

وقال النقاد

يقول الناقد نادر عدلي: الفيلم ينقصه تكوين نظرية واضحة، فإذا كانت كل شخصيات الفيلم تعبر عن ثورة يوليو وكل ما فيها من مساوئ وشذوذ فإن القراءة بهذا المعنى تجعل الفيلم يثير تساؤلاً كبيرًا: هل عمارة يعقوبيان هي مصر الحالية؟!

أما الناقد أحمد المصري فيقول: ليس من المصلحة أبدًا أن نبرز كل هذه المساوئ، فالفيلم يعطي إحساسًا أن البلد، بكل ما فيها قد أصبحت «بؤرة فساد».. ولا يقدم أية رؤية للحل، ولا يقيم أي نوع من التوازن.. وربنا يستر عندما يعرض في البلاد العربية..

ويرى الناقد مصطفى درويش: أن الفيلم طويل (3 ساعات) وممل جدًا، ومليء بالأدوار المحشورة.. ومعظم أدواره بلا لون ولا طعم ولا رائحة.. خاصة (عادل إمام) (سفير النوايا الحسنة للأمم المتحدة) الذي لم ينجح في دوره.. والمخرج «مروان حامد» بلا خبرة في تحريك الأحداث أو الأشخاص، وقد شوه الرواية الأصلية،.. وأسرف في المشاهد المقززة لشخصية الصحفي الشاذ التي جسدها «خالد الصاوي»..

وعلى حد تعبير أحد الوزراء المصريين الذين شاهدوا الفيلم فقال : «هذا عمل مقرف ومقزز ومثير للاشمئزاز»!.

جدير بالذكر أن الفيلم من إنتاج شركة (جود نيو) في يونيو 2006 ميلادية، وإخراج مروان حامد، وقد أعد له علاء الأسواني السيناريو عن قصته المأخوذ عنها الفيلم، وقد حقق الفيلم إيرادات تجاوزت 19 مليون جنيه ، حيث اعتبره الجمهور فيلمًا خاصًا بالمثليين.

هل تعلم

 أنه عقب القبض على 55 شابًا بتهمة ممارسة الشذوذ والتي اشتهرت باسم «قوم لوط» اختمرت لدى أحد «المنكوسين» فكرة تأسيس جمعية حقوقية تدافع عن أحقية الإنسان في ممارسة ما يحلو له، وبالفعل تأسست هذه الجمعية في مصر عام 2002.. ومن بين مهامها حق ممارسة «الجنسية المثلية» وقامت هذه الجمعية بتأليب جمعيات الشواذ في أمريكا وأوروبا ضد مصر.. ولا زالت هذه الجمعية تثير نجسها، في حرب موصولة على كل الثوابت الأخلاقية والدينية بالتنسيق مع الجمعيات المناظرة في الغرب المنكوس!!!

كان عباس الأسواني والد علاء، يعمل إلى جوار عمله الصحفي، مستشارًا قانونيًا لنادي السيارات، ويتخذ من إحدى غرف عمارة يعقوبيًا مكتبًا له…. ومن سلة أوراقه، كتب علاء روايتيه.

 هل تعلم أن زعيم تنظيم الشواذ في مصر كان يفاخر أثناء التحقيق معه بأنه زار إسرائيل عدة مرات، وله صداقات قوية جدًا مع اليهود، وقد أثبتت التحقيقات أنهم ينتمون إلى تنظيم دولي مركزه «لندن» وأنهم إلى جانب شذوذهم، يحتقرون الأديان جميعًا ولا يعترفون بالذات الإلهية!!!!

 هل تعلم أن مجموعات شهيرة جدًا من الشواذ يعقدون اجتماعًا شهريًا في إحدى البواخر النيلية بالدور الثاني من هذه الباخرة الراسية أمام أحد أشهر فنادق الخمس نجوم الرابضة على شاطئ النهر الخالد!

 هل تعلم أن القضية رقم 19756 جنح العجوزة، كانت تضم عددًا هائلاً من الشباب من خارج القاهرة، يمارسون اللواط مع أشخاص (ومنهم أطفال) مقابل أجر.. ومن بينهم شخصيات شهيرة جدًا بالمجتمع.. وقد وصل هذا الأجر في بعض الحالات إلى 1000 جنيه لا غير، قبل 20 سنة!!

 هل تعلم أن أحد أشهر المخرجين السينمائيين المشهورين بالشذوذ، يدافع بشدة عن هذا السقوط، ويتمنى لو تم تجسيده فنيًا بكل صراحة ووضوح كحق إنساني مهضوم لم تلتفت إليه السينما في تاريخها الطويل، وهي تكافح من أجل حقوق الإنسان!!!

 هل تعلم أن تجمعات الشواذ في مصر قد أخذت في التجمع بشكل سافر، حتى أضحت تجمعاتهم في ميدان «………..» بعد منتصف الليل، صيدًا سهلاً لرجال المباحث.. وإذا أردت أن تعرف مزيدًا من الحقائق المخجلة.. فابحث عن أوراق المحاضر رقم 8081/2006، 8084/ 2006 و 8045/2006 بقسم قصر النيل!!!

 هل تعلم أن هؤلاء الملعونين يديرون موقعًا خاصًا بهم على شبكة الانترنت باسم Gay egypt ومعناه «مثليو مصر».. وأنهم وراء حملة ضارية لإغراق مصر بأفلام «البورنو والشذوذ»!

 هل تعلم أن قناة الحرة الأمريكية الناطقة بالعربية، هي أشهر قناة فضائية تتبنى طرح قضايا الشواذ والدفاع عنهم بكل إثارة وابتذال.. بعدما كسرت إذاعة «لندن» هذا الحاجز عبر برنامجها القميء «عن الجنس بصراحة»!

كلمة أخيرة

نعم.. قدّم انقلاب ثوار 23 يوليو 1952م، هذا.. وأكثر منه، حين قتلوا في الإنسان معنى الإنسانية بكل أبعادها.. فـفـرّ «المبصرون» إلى الرحيم الرحمن .. وتنادوا فيما بينهم «يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به» .. فكانت الصحوة الإسلامية التي لا يخطئها أو يتجاوزها إلا مجنون أو عميل!

وفر «المثقوبون» إلى عمارة يعقوبيان …

«فانتظروا إني معكم من المنتظرين».

د. محمود خليل

مدير عام برامج علوم القرآن بشبكة القرآن الكريم من القاهرة‏ وكبير مذيعيها سابقًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى