أقلام حرة

د. وليد عبد الحي يكتب: إسرائيل والأسئلة المعلقة

تشير القسمات الأولية لملامح الوضع الاستراتيجي القائم حاليا في الشرق الأوسط إلى أن كفة محور المقاومة في مأزق شديد التعقيد من ناحية وفي موقف ميداني هش من ناحية ثانية، ويبدو أن التغير الذي أصاب الوضع في سوريا شل قدرة المحور على تحريك أطرافه المركزية،

وهو ما يتضح في المؤشرات التالية:

أ‌- التراجع الواضح في التزام حزب الله تجاه «تعهد» نصر الله بعدم وقف القتال الا بعد وقفه في غزة، وبعيدا عن كل محاولات النيل من تضحيات الحزب في فترة المساندة الأولى لغزة ثم الانخراط المباشر في المواجهة، إلا ان الضربات التي تلقاها الحزب من القوات الإسرائيلية، واتكائه على بيئة لبنانية فيها اختراقات واسعة، والتغير العميق في قياداته، دفعت الحزب للانكفاء الداخلي، وهو ما فتح المجال لقبول الضغوط عليه والتعاطي مع مشروع الاتفاق الذي رعته بشكل أساسي الولايات المتحدة، بل ان من رتب الاتفاق وهو المبعوث الأمريكي هوكشتاين كان ضابطا سابقا في الجيش الإسرائيلي.

ب‌- الجانب الآخر في المشهد هو موقف القوى العراقية عند بداية الاحداث الأخيرة في سوريا، فموقف الحكومة العراقية عبر تصريحات رئيس وزرائها ووزير خارجيته توافقت مع موقف مقتدى الصدر وقطاع من الحشد الشعبي كان بالامتناع عن التدخل، واقتصار الموقف على حماية الحدود بين سوريا والعراق، وهو ما يعني العجز عن مساندة النظام السابق، وسد الطريق بين ايران وسوريا، ومن الضروري ملاحظة ان الحشد الشعبي شارك في حدود أقل تأثيرا بشكل كبير مقارنة بالمشاركة اللبنانية أو اليمنية، ويبدو ان الميل نحو مزيد من الانكفاء هو الذي يتزايد، واتضح ان جذور النخب التي انتقاها بريمر ما زالت في التربة العراقية، بل إن كفتها تبدو أكثر رجحانا من الكفة الإيرانية.

الموقف الإيراني

ج‌- بقي الموقف الإيراني في حدود المشاركة «المحسوبة» بتبادل بعض الضربات مع إسرائيل، لكن الضربات الإسرائيلية كانت بدوافع عسكرية وسياسية وبهدف توسيع دائرة المواجهة الى الحد الذي تتكفل الولايات المتحدة بتحمل الجزء الأكبر منها، وهو ما حاولت إيران تجنبه، ولم تكن أمريكا تتبنى الحماس الإسرائيلي لهذا المشهد.

والملاحظ ان المواقف السياسية بعد التغيير في سوريا اخرج الإيرانيين عن حذرهم المعهود في التصريحات، وأصبحت تصريحات المرشد تنم عن قدر من النزق السياسي الذي يخفي احباطا واضحا رغم مفرداته التعبوية، بل ان الهدف الإيراني الذي بني على خطة إيران 2025 أصبح أبعد منالا، فهل ستتكيف إيران مع هذه النتائج لتمتص آثارها ام ستعمل على إعادة النظر في توجهاتها التقليدية؟

الدور اليمني

د‌- ما زال الدور اليمني على وتيرته ذاتها منذ بداية المشاركة في المواجهة، ولا شك ان المشاركة اليمينة كانت فاعلة ومؤثرة، ويبدو ان دولا خليجية تحاول المشاركة في الضغط على أنصار الله لإكمال تفكيك محور المقاومة.

وبعيدا عن اية مبالغات، ومن خلال الرصد اليومي لما تنشره الجهات المختلفة في إسرائيل، فإن إسرائيل لم تواجه في كل تاريخها ارهاقا واضطرابا وعدم استقرار سياسي وخسائر بشرية واقتصادية كما واجهت في هذه المواجهة خلال خمسة عشر شهرا، لكن الثمن الذي دفعته -وهو ثمن كبير للغاية- أتى أُكله، وأصبحت منفردة الى حد كبير بالمقاومة الفلسطينية رغم ما أشرنا له من دور يمني متواصل.

لكن المشهد لا يكتمل دون الوقوف عند المشهد السوري، فقد سقط النظام سقوطا أسرع مما توقعه أطراف المحور بل وأسرع مما توقعته روسيا طبقا لتقديرات المفكر الروسي ألكسندر دوغين، لكن المشهد يفرض أسئلة تستحق التأمل بعيدا عن الانحياز الأيديولوجي،

وهو حق لكل مراقب يريد فهم المشهد:

أ‌- أعلنت القيادة الجديدة في أكثر من موقف عن العداء لإيران -وللأسباب المعروفة-، وعبرت عن انفتاحها على دول الخليج وتركيا،

لكن الموقف من حيث المبدأ مع إسرائيل ما زال بحاجة لوضوح، وبخاصة التوسع الإسرائيلي وتدمير الجيش السوري.. الخ

ناهيك عن ضم الجولان، بل إن وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي جدعون ساعر ينتمي لتيار ينادي بتقسيم سوريا إلى أربع دول،

وكتب ذلك في مقال له في أهم مراكز الدراسات الإسرائيلية وسبق لنا ان عرضنا هذا المقال،

وهو ما يعني ضرورة التنبه، فهل يراهن النظام الجديد على قواه الذاتية في منع التقسيم؟

أم على الدور التركي الذي يدرك ان تقسيم سوريا قد يمتد الى تركيا ذاتها، وهو ما يبدو في الموضوع الكردي؟

أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ أسئلة معلقة

ب‌- تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على 26 دولة حاليا، لكنها لم تقدم لأي من هذه الدول أي تنازل في بنود العقوبات،

فلماذا هذا التسامح المتسارع مع النظام الجديد في سوريا؟ قد يكون هناك مواقف لا نعرفها، وقد تكون هناك صفقات،

لكن تاريخ الولايات المتحدة بعقيدتها البراغماتية يخبرنا ان الولايات المتحدة لا تقدم شيئا من باب الأخلاق والمحبة،

ثم التلميح برفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب -وهي مرفوعة من الناحية العملية والا كيف يتم التفاوض معها-؟

فلماذا لا تنظر واشنطن في رفع اسم أي من ال 79 تنظيما من التنظيمات الأخرى المدرجة في قائمة الإرهاب على موقع وزارة الخارجية الامريكية بل وموقع السي آي ايه؟ الامر بحاجة لتوضيح.

كل ما سبق يشي بنتيجة محددة حاليا –ولا أقول أبديا-، أن إسرائيل في وضع إقليمي مريح رغم الثمن الكبير،

وهي ستعمل على استغلال هذا الوضع من زوايا ثلاث:

أ‌- ستسعى لاجتثاث المقاومة في غزة وسيساندها اغلب العرب في ذلك (ويكفي العودة لكتاب بوب وود وورد الأخير وعنوانه الحرب)،

وسيكون موضوع أموال الاعمار لغزة موضع ابتزاز للفلسطينيين وبقدر لا حدود له، بهدف انتزاع أكبر قدر من المكاسب،

بخاصة أن أغلب القوى القادرة على المساهمة المالية هي دول أقرب للموقف الإسرائيلي.

ب‌- توسيع دائرة التطبيع مع من تبقى من العرب.

ج‌- محاولة استثمار وجود ترامب لتحقيق كل ذلك مع العرب وإيران.

ولكن يبقى موضوع أساسي ينطوي على أسئلة معلقة أخرى هو:

لنفترض أن إسرائيل حققت كل ما سبق، سيبقى هناك المشكلة الديموغرافية، وهي وجود سبعة ونصف مليون فلسطيني في فلسطين، سيصلون إلى 10.6 مليون حتى عام 2035،

فماذا ستفعل إسرائيل بهم؟

1- هل تبقيهم لتتحول الى دولة ثنائية القومية؟

2- هل تدمجهم معها ويصبح أغلب أعضاء الكنيست من العرب؟

3- هل تبقيهم في الوضع القائم حاليا ويبقى عدم الاستقرار هو السائد في إسرائيل؟

4- أم ستقوم بتهجيرهم، وهو الحل الأفضل لإسرائيل ويحل لها كل مشاكلها، ولكن هذا البديل يستوجب الإجابة على تفرعاته:

أ‌- هل ستقبل الدول العربية المجاورة تهجيرهم إليها؟ وما التداعيات على كل دولة من دول الجوار؟ ومن هي الدولة العربية الأكثر قابلية للحل على حسابها؟ وما تداعيات القبول بهذا الحل على الأوضاع الداخلية لكل دولة تقبل ذلك؟

ب‌- هل سيتم الترويج لتهجيرهم الى دول الخليج وامتصاصهم في مجتمعاتها، وقد تتعاون دول أوروبية وغير أوروبية على المساهمة في ذلك؟

5- ماذا لو تبنى العرب والمجتمع الدولي فكرة العودة الى «حل الدولتين»، فكيف ستتصرف إسرائيل؟ لا سيما أن الكثير من الدول الأوروبية والعالم النامي والصين وروسيا تتبنى هذا الموقف، بل إن نسبة غير بسيطة من الإدارة الأمريكية تتبنى ذلك.

يبدو أن مساحة الظلال أكبر من مساحة الأضواء في منطقتنا المتعثرة..

ربما.

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights