د. وليد عبد الحي يكتب: قمة القاهرة بين حضور ماذا وغياب كيف؟

ثمة خلل في استراتيجية الدبلوماسية العربية التي يتم التعبير عنها في بيانات القمم العربية، ويتمثل هذا الخلل في «الينبغيات» (ينبغي ويجب) وهو ما يسميه علماء النفس «التفكير بصفة الالزام»، أي ممارسة الضغط الكبير على الذات لتحديد ما يجب ان يحدث دون التفكير في جانبين: معقولية الينبغي من ناحية، وتوفر آليات تحقيقه من ناحية ثانية، والعقل العربي ميال لما يسمى أيضا لدى الميدان النفسي «الاستنتاج الانفعالي»، أي الوهم بان ما تقوله بالضرورة صحيحا، دون ترك الفرصة لعرض احتمالات الخطأ.

ولكي ندلل على ما سبق، نوجز القول في ان البيان الصادر عن القمة بخصوص طوفان الاقصى وما ترتب عليه، ركز على ماذا (ينبغي فعله) دون تقديم آليات انجازه أو بدائل الفشل في حالة العجز عن التنفيذ اي غابت «كيف»، ولنقف امام ما جاء في البيان الذي دعا الى:

1- نشر قوة حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي المحتلة الى حين تنفيذ حل الدولتين، على ان تكون دولة فلسطين في حدود 1967: هذا الينبغي الأول، دون أي اعتبار لاحتمال ان ترفض إسرائيل ذلك، وكل المؤشرات تؤكد ان نيتنياهو لن يقبل بذلك نهائيا، لأنه يدرك ان القبول به سيفتح الباب لحرب أهلية بين اليهود ،ويهدد العمق الاستراتيجي لإسرائيل،  وهنا نسأل: لو رد عليكم نيتنياهو بالرفض فهل اتفقتم على خطة لكيفية مواجهة رفضه، أزعم أن أي زعيم عربي لا يمتلك أي تصور لخطة الرد، بل ان بعضهم لا يريد حتى التفكير في الرد على نيتنياهو.

2- عودة اللاجئين والاستناد الى المبادرة العربية لعام 2002، إذا كانت اسرائيل تريد تهجير ما عندها بسبب الخلل الديموغرافي لصالح العرب والذي سيتزايد مستقبلا بفعل الفارق في معدل الزيادة السكانية، فهل تنتظرون موافقة نيتنياهو؟ هذا هو ما يدلل على ان الحكام العرب يعيشون تحت ضغط الاستنتاج الانفعالي، فهم لا يمتلكون اي تصور خارج التلذذ بالأوهام.

3- رفض الارهاب والعنف.. الخ: من المعلوم ان تعبير الارهاب أصبح لصيقا «بحركة المقاومة» بفعل الضغط الاعلامي الغربي وبعض العربي، فرفض الارهاب في بيان القمة ليس له الا معنى ضمني واحد هو «رفض المقاومة المسلحة»، وهنا نسأل، إذا كنتم ضد المقاومة المسلحة فما هو الشكل الذي تقترحونه «لإجبار» اسرائيل على الخضوع لمطالبكم؟ فقد طمسوا كل معالم اوسلو وما زالوا يخترقون 1701 و2245 مع لبنان وسوريا، ويصرون على تفسير كل نص طبقا لمصالحهم، فكيف ستجبرونهم بتبني رأيكم؟ هل ينبغي تكفي؟ فاين كيف؟

4- رفض التهجير والدعوة للتعاون مع امريكا لتحقيق السلام العادل: إذا كان مشروع التهجير من ابداع الرئيس الامريكي نفسه، فليتكم تشرحوا لنا صيغة التعاون معه لإفشال التهجير الذي يدعو له هو نفسه، كيف ستتعاونون مع ترامب ليساعدكم في افشال مشروعه هو ذاته؟

5- توجيه الشكر لترامب على دوره في وقف إطلاق النار: هل تم وقف إطلاق النار «استجابة لترامب إنْ صح الزعم» ام لأن إسرائيل تعيش صراعا داخليا جعل من معدل الاستقرار فيها يضعها في المرتبة 173 بين 193 دولة، ولان المقاومة كبدتها خسائر تقر بها إسرائيل بأنها الأثقل خلال أكثر من خمسة عقود.. فكيف يتم تغييب العوامل الحقيقية لصالح ابراز التودد الى صاحب خطة تحويل غزة الى ريفيرا وتشتيت سكان القطاع في بقاع الأرض كلها.

6- ادانة التجويع: أتمنى من شراح قواميس المفردات العربية ان يحددوا المعنى الاجرائي لكلمة” إدانة”، ثم هل وزنها يختلف في عالم السياسة عن “الإدانة بأشد العبارات”؟ ثم هل يختلف وزن ادانة الحكام –في الواقع الميداني- عن ادانة أي فرد عادي، فالإدانة التي لا ترتبط بإجراء يؤكد مصداقيتها تتساوى مع الإدانة لرجل بسيط في موريتانيا او فانوتو..

7- الدعوة لإعادة الاعمار وتطبيق المرحلة الثانية والثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار، لقد أوقف نيتنياهو دخول أي شكل من اشكال المساعدة، ولكنكم تصرون على دعوته، فهل هذا الإصرار قائم على أساس «ثقة في اخلاقيات نيتنياهو» أم هو «توسل» ام أن الامر ليس أكثر من «ينبغي» جديدة.

8- المطالبة بالانسحاب من قطاع غزة بما في ذلك محور فيلادلفيا، من لم ينسحب من الضفة الغربية والجولان وجنوب لبنان هل ينسحب من القطاع؟ لقد قالها شارون بان انسحابه كان بسبب العبء الكبير امنيا واقتصاديا على اسرائيل، ولم ينسحب لأنه «ينبغي ان ينسحب».

9- عقد مؤتمر دولي للإعمار في أقرب وقت وانشاء صندوق لتلقي المساعدات وحشد المساندة الدولية للإعمار، لقد انفقت قطر في سوريا 137 مليار دولار باعتراف رئيس وزرائها السابق، وهو ما يعادل أكثر من 3 اضعاف ما تحتاجه غزة، فلماذا لم تعلن اية دولة عربية عن مبلغ «كبداية»، فأهل غزة ليسوا في ترف الانتظار الى ان تشكلوا اللجان وتختلفوا وتصلحوا خلافاتكم، انهم يموتون من الجوع والعطش والبرد والمرض، فلماذا تبسطون ايديكم لمساعدة الآخرين -حيث تدعوكم امريكا- وتجعلونها مغلولة عند شواطئ غزة؟ هل تنتظرون مساعدات النرويج والدنمارك وروسيا والصين …ام هو تهرب من الدفع، فإذا اردت ان تدفن مشروعا فأوكله للجنة، هكذا علمونا في الإدارة.

10- الدعوة لأن يدار ملف الامن من قبل المؤسسات الفلسطينية الشرعية وحدها (لاحظ عبارة وحدها)، أي أن المقصود توسيع التنسيق الأمني مع إسرائيل من الضفة الغربية الى قطاع غزة، ثم من قال ان سلطة التنسيق هي سلطة شرعية؟ فلم تجر انتخابات رئاسية منذ عشرين عاما، فكيف هي شرعية، فلم يبق من منظمة التحرير لا ميثاقها ولا تنظيماتها الاصلية، اما وعود رئيس سلطة التنسيق الامني بالانتخابات تجد اجابتها في جيب «عرقوب»، وما الصفح عن من فصلته حركة فتح إلا محاولة لحشدهم في غزة ضد المقاومة.

11-   المطالبة بوقف الاستيطان، مع أن الاستيطان يزداد يوميا.

وفوق كل هذا، ما دلالة:

أ‌- تحفظ تونس والعراق على البيان؟ فهناك اعتراض على حل الدولتين لأنه من وجهة نظر البلدين يغيب حقوق الفلسطينيين التاريخية.

ب‌- لماذا تغيب سبعة حكام عرب؟ لان البعض ممن تغيب يتمنى أن يمر مشروع ترامب، والبعض الآخر شعر ان لا فائدة من الحضور، والبعض الآخر يعلم انه لا في العير ولا في النفير.

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights