د. وليد عبد الحي يكتب: ملامح المشهد الشرق أوسطي القائم
تتمحور اغلب المناقشات السياسية في اللحظة الراهنة في المنطقة العربية والعالم حول تساؤلات أبرزها:
أ- اين يتجه المشهد في قطاع غزة؟
ب- هل ستتسع دائرة المواجهة للمستوى الاقليمي الاوسع؟ وهل هناك مواجهة ايرانية / امريكية اسرائيلية؟
ج- هل هناك احتمالات لتغير الموقف العربي كليا او جزئيا مما يدور في المنطقة؟
أولا: المشهد في غزة:
لا أعتقد ان هناك أي استراتيجي عسكري يمكنه أن يطلب من المقاومة الفلسطينية أداء أفضل مما جرى ويجري، لكن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فالضغط غير المسبوق على «مجتمع المقاومة» في القطاع بشكل رئيسي والضفة بشكل فرعي يستهدف انهيار البناء الاجتماعي وفتح الفرصة لفوضى عارمة أملا في ايجاد هوة بين المجتمع والمقاومة من ناحية، وتعميق فكرة ان لا جدوى من المقاومة كمقدمة ليأس مطبق.
أما من زاوية المقاومة، فإن المدد اللوجستي لها لا يتوازى مع متطلبات المعركة، ويبدو أن الطرف الإسرائيلي يراهن على الشح المتزايد للمدد اللوجستي والإرهاق النفسي بسبب قلق المقاتل على ذويه الذين قد لا يكون على صلة بهم بسبب قطع الجزء الأكبر من وسائل التواصل، مع الاخذ في الاعتبار أن القوات الإسرائيلية تتغلغل بشكل متواصل ولو بثمن كبير في جغرافيا القطاع بهدف إعادة توزيع سكانه بالكيفية التي تعتقد أنه يؤمن لها أكبر قدر من الأمن من خلال محاولات خلق مناطق عازلة وتكديس سكاني لتصل الكثافة السكانية إلى أكثر من 30 الف /كم2، مع إبقاء القصف الجوي متواصلا في المناطق التي يتكدس فيها السكان.
ومع أن التعثر يرافق التغلغل الإسرائيلي، إلا أن الرهان الإسرائيلي واقع تحت غواية ما يلي:
1- الاطمئنان إلى أن رد الفعل العربي لن يتجاوز حدود الإدانة ومفردات الشفقة على غزة.
2- أن المواقف الأمريكية لن تتجاوز حدود العتب على بعض السلوكيات الإسرائيلية دون أن يرافق ذلك أي إجراء ضدها.
3- اعتقاد إسرائيل أن لديها القدرة على تحمل أعباء «النهش» من لبنان واليمن والعراق.
ثانيا: اتساع المواجهة لتشمل الإقليم كله بما في ذلك مع أمريكا:
من الضروري الإشارة إلى أن التدخل الأمريكي بحرب شاملة ضد إيران ومحور المقاومة ما زال مستبعدا (ولكنه ليس مستحيلا)، ولكي أعزز فكرة عدم احتمال المواجهة أشير إلى أن الولايات المتحدة عندما قررت مواجهة العراق بدأت بحشد القوات (حوالي ربع مليون جندي) لمدة ستة شهور، معززة هذه القوات بمئات الطائرات والقطع البحرية وجيوش مساندة لها من المنطقة وخارجها.
ولكن عند النظر للواقع القائم فإن الولايات المتحدة لم تقم بأي حشد عسكري، وقواتها المتمركزة في المنطقة لا تكفي بتاتا لمواجهة إيران، وهي تعلم أن إيران حاليا أقوى كثيرا من العراق حين غزته، بل إنها تمتص ضربات الحشد الشعبي أو تحرشات أنصار الله ليبقى الامر في نطاق الفعل التكتيكي لا الاستراتيجي، ناهيك عن إدراكها أن أوضاعها الداخلية وتوجهات مجتمعها والمجتمع الأوروبي ليس ميالا للمواجهة.
ثالثا: تمسك الموقف العربي بدبلوماسية «الدفاع المدني»،
فلم ولن تقطع أي دولة عربية مطبعة علاقاتها مع إسرائيل حتى لو نسف نيتنياهو المسجد الاقصى وهجَّر كل الفلسطينيين، ولن يفتح «كافور» معبر رفح إلا في حدود ما توافق عليه إسرائيل، ولن تقم الجامعة العربية التي عقدت اجتماعا تلو اجتماع في ربيعها العربي بعقد أي اجتماع له دلالة، وضخ ممثل دبلوماسية الإنابة 137 مليار دولار لتدمير دولة عربية واحدة، وهو ما يعيد بناء غزة الحالية ثلاث مرات…
بل إن التوجه لمحكمة العدل الدولية قامت به جنوب أفريقيا ولم تقم به أي دولة عربية، بل إن ما يتسرب يشير إلى ضغوط مصرية قطرية لإقناع المقاومة ببعض التنازلات، فالثناء الأمريكي المتكرر على الدور الدبلوماسي للوسطاء العرب لم يأت من فراغ.
كل هذا يعزز الموقف الاسرائيلي الذي استقرت قناعته أن اغلب الدول العربية راغبة في القضاء على المقاومة الفلسطينية وبلهفة لا تقل كثيرا عن المسعى الاسرائيلي.
القلق الوحيد الذي يتوجسه الإسرائيليون هو حدوث تغير في أحد الانظمة العربية المؤثرة في المشهد، وهو أمر لا تلوح بوادره القريبة.
خلاصة المشهد
يشير المشهد حتى اللحظة إلى أن المقاومة تدير معركتها العسكرية بشكل أذهل أغلب المراقبين العسكريين في مراكز الدراسات والأكاديميات العسكرية الغربية والإسرائيلية التي لا انقطع عن متابعتها، لكن استمرار الحرب في ظل خنق كافور لغزة شعبا ومقاومة وبأعذار لا دليل على صحتها، واستمرار الانتظار العربي للتخلص من المقاومة، وبقاء المواجهة في حدودها الحالية، والمساندة الأمريكية سياسيا وعسكريا واقتصاديا لإسرائيل وبقدر يفوق بشكل لا يقارن الدعم للمقاومة، يجعل الخطورة شاخصة لا في هزيمة عسكرية للمقاومة بل في معركة سياسية قاسية.
وهنا لا بد من القلق، وهو ما يستوجب على محور المقاومة أن يدركه قبل فوات الأوان.