د. ياسر عبد التواب يكتب: كيف نعامل أهل النفاق
شتان بين الإيمان والنفاق، فالإيمان أمان والنفاق ريبة وبهتان، الإيمان نجاة والنفاق تخبط وضلال، الإيمان خير كله، والنفاق شر كله، فالمنافق يظهر خلاف ما يبطن، يبطن شراً ويظهر خيراً، وفي حالة الضعف يظهر فتنة فتكون طعنة نجلاء قاتلة، ولقد عانى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين فصبرهم حتى جلى الله فتنتهم وأذهب كيدهم،
وكان من كرمه صلى الله عليه وسلم أنه حفظ سرهم فلعل بعضهم يتوب فيتوب الله تعالى عليه، فباب التوبة مفتوح لكل عاص وكافر ومنافق، وقد كان ذلك متناقص عددهم حتى يضمحل في عهده وذلك من فضل الله على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
وأهل النفاق في هذه الدنيا لم يختفوا بل ربما أمرهم في ازدياد
فعلينا التذرع بالحكمة في نصحهم ربما عادوا وفي كشف زيف شبهاتهم وما ينافقون به من غير فضيحة ربما تجلب البلاء على المجتمع
لذا لما ذكر الله تعالى ذم النفاق وأهله وأنهم في الدرك الأسفل من النار جزاء خداعهم وهدمهم حصوننا من داخلها لما ذكر الله تعالى ذلك ثناه بالأمل وبين لهم طريق العودة، فقال تعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين، وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً) النساء: 146، يقول القرطبي رحمه الله تعالى في شرح الآية: ومن شرط التائب من النفاق أن يصلح قوله وفعله، ويعتصم بالله أن يجعله ملجأ ومعاذاً ويخلص دينه كما نصت عليه هذه الآية، وإلا فليس تائباً).
روى البخاري عن الأسود قال: كنا في حلقة عبد الله ابن مسعود فجاءه حذيفة (وهو الذي اختصه النبي صلى الله عليه وسلم بمعرفة المنافقين) حتى قام علينا فسلم ثم قال: (لقد نزل النفاق على قوم خير منكم) فتبسم عبد الله، فقال حذيفة: عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت، لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيراُ منكم ثم تابوا فتاب الله عليهم).
يتخذ النفاق العملي صوراً شتى، ليس من وقع في شيء منها ببعيد عن صفة النفاق ولو كان مسلماً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث قال: (ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من خصال النفاق حتى يدعها).
فالنفاق العملي يختلف عن النفاق الاعتقادي في أن خصاله قد يقع السلم في بعضها وهي تتدرج به فتسلمه خصلة النفاق إلى خصلة أخرى وهكذا يكتمل هلاكه باكتمال صور النفاق العملي فيه والتي بدورها تسلمه إلى النفاق الاعتقادي، أنها خطوات الشيطان التي نهانا عنها القرآن (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) البقرة.
ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) رواه البخاري عن ابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان) متفق عليه.
يقول القرطبي رحمه الله تعالى: (النفاق إذا كان في القلب فهو الكفر وأما إذا كان في الأعمال فهو معصية).
يقول تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ليصدقن ولنكونن من الشاكرين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون، فأعقباهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون، ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وإن الله علام الغيوب) التوبة: 77 ـ 78.
قال الحسن البصري: «النفاق نفاقان نفاق الكذب (أي في دعوى الإيمان) ونفاق العمل».
أقوال لأهل العلم في النفاق العملي
استشكل بعض العلماء وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الصفات المذمومة بأنها نفاق، فهل صاحبها كافر ككفر الأصلي؟ ويجيب الحافظ ابن حجر في فتح الباري: النفاق لغة: مخالفة الباطن لظاهر، فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو الكفر وإلا فهو نفاق العمل، ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه، قال النووي: والذي قاله المحققون أن معناه أن هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم.
قال الحافظ: ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز أي صاحب هذه الخصال كالمنافق وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر، وقد قيل في الجواب عنه أن المراد بالنفاق العمل هذا ارتضاه القرطبي واستدل عليه بقول عمر لحذيفة، (هل تعلم شيئاً من النفاق) فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر، وإنما أراد نفاق العمل.
ويؤيد وصفه صلى الله عليه وسلم في الحديث: (كان منافقاً خالصاً) قال الحافظ وهو أولى الأقوال وقيل المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال وأن الظاهر غير مراد (وهذا ارتضاه الخطابي) وذكر أيضا أنه يحتمل أن المتفق عليه هو من اعتاد ذلك وصار له ديداناً، يقول والأولى ما قال الكرماني: أن حذف المفعول يدل على العموم أي إذا حدث في لكل شيء كذب فيه أو يصير قاصراً، أي وجد ماهية التحديث كذب، وقيل هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون عنها واستخف بأمرها، فإن من كان ذلك كان فاسد الاعتقاد غالباً) أـ هـ.
وكان ابن العربي: قد قام الدليل الواضح على أن متعمد هذه الخصال لا يكون كافراً وإنما يكون كافراً باعتقاد يعود إلى الجهل بالله وصفاته أو تكذيب له لله تعالى وتقدس عن اعتقاد الجاهلية وعن زيغ الزائغين.