السبت مايو 18, 2024
ذكريات ممتعة مع العلامة الدكتور محمد عبد الحليم النعماني سلايدر سير وشخصيات

ذكريات ممتعة مع العلامة الدكتور محمد عبد الحليم النعماني

عبد الرحمن محمد جمال

اليوم كنت قابعا في بيتي لا أفكر إلا في نفسي وفي ذكرياتي الماضية الجميلة التي مرت بي في حياتي الطالبية، ذكريات حلوة تشوبها مرارة، وذكريات مرة تشوبها حلاوة. هذه الأيام أيام الاختبارات للطلاب نجد فسحة لأن نتنفس من زحمة الدروس المنهجية المتراكمة، ونستعيد ذكرياتنا الحلوة والمرة.

تذكرت في هذه الإبان شيخي وأستاذي ومحسني الكبير العلامة محمد عبد الحليم النعماني رحمه الله، وقلت في نفسي أن أجدد بعض ذكريات حياتي معه، وهاكم نبذا منها، وإنها بمثابة غيض من فيض.

۱- دعوت الله بعد التخرج أن يرزقني خدمة عالم مرب رباني، أن أكون في خدمته في غدواتي وروحتي فرزقني الله صحبة هذا العالم الجليل.

٢- حملت عريضة للالتحاق في قسم التخصص في الحديث بجامعة العلامة بنوري تاون، إلا أني تأخرت فاضطربت ماذا أفعل، فذهبت بالعريضة إلى الأستاذ عبد الحليم رحمه الله فقرأها ونظر إلي وقال: كتبتها بنفسك؟ قلت: نعم، قال ما شاء الله أنت تحسن العربية أحب أن تلتحق بهذا القسم ثم دلني كيف أجتاز مراحل الالتحاق بعد أن بدأت الدروس وتم الالتحاق، وشفع لي. ومن هناك دخل حبه في قلبي وشعرت بأن حبي دخل في قلبه.

٣- في اليوم الأول من حضوري في الصف دعاني بعد انتهاء الدروس وقال: تحسن الترجمة من الأردية إلى العربية؟ قلت: أي نعم، أعطاني ورقة وقال: ترجمها بالعربية، في اليوم التالي قرأت عليه الترجمة، فأبدى إعجابه بها، ثم كان أن بدأت بترجمة كتابه العجاب «إسلامي كتب خانه» وأرجو أن يتم نشره.

٣- كان اليوم الأول من حضوري في الدرس يوما مليئا بالأعمال العلمية، فبدأت من هذا اليوم بالتحقيق العلمي تحت إشراف هذا العالم الجليل، فكان يشير إلى المصادر في موضوعات مختلفة فأستخرج اللائي من بطون الكتب وأرتبها وأنسقها وأقرأها على الأستاذ فيقر ويحذف ويزيد ويشجع.

٤- كتبت يوما تحت إشراف العلامة الدكتور مقالة طويلة في موضوع الاجتهاد في القرون الثلاثة الأول، ثم سلمتها للأستاذ فجاء في اليوم التالي وناداني وقال ماذا فعلت يا عبد الرحمن! فقلت في نفسي: لعل شيئا حدث ما ساء الأستاذ فقال: لقد اضطررتني بمقالتك هذه ألا أنساك أبدا في حياتي في دعواتي ثم بكى ودعا لي كثيرا. فكان خير أيام حياتي.

٥- كنت جالسا ومنكبا على الكتب أطالع وأحقق وأدقق في مكاني  الخاص، فرفعت رأسي فإذا الأستاذ فوق رأسي، فاضطربت وفتشت عن قلنسوتي فقال الأستاذ هون عليك، ثم أخذ التقرير عن الأعمال التي قمت بها، فقلت وأنا خجل يا سيدي ليتكم ناديتموني فآتيكم، فقال لا بأس عليك أنت مشغول بالمطالعة. وقد حدث مثل هذا غير مرة معي ومع زملائي الآخرين.

٦- عامة كنت أصحب الشيخ عند خروجه إلى بعض الأمكنة في كراتشي، وبخاصة إلى دار العلوم وجامعة الرشيد فكان في الطريق فقط يناقش في الكتب وفي الأمور العلمية، ولم أره يفكر في غيره اللهم إلا نادرا.

٧- صحبته يوما إلى دار العلوم، فانتبه الطلاب بالشيخ فتهافتوا عليه وبدأوا يسلمون عليه، ولكنه لم يعجبه حشود الطلاب وقال لي أسرع إلى السائق وقل له يأتي لنذهب، فشعرت أنه لا يحب أن يعرف وأن يشهر، وهكذا شأن العظماء. يحبون الخمول ويفرون من الشهرة والسمعة.

٨- دعي مرة إلى مأدبة فيها العلماء من أنحاء البلاد فخرج منقبضا، فقال لي: هؤلاء لا يعرفون إلا الكلام الفارغ، فقط يتكلمون في الأمور العامة ولم أجد فيهم من يتكلم في الأمور العلمية والتحقيقية، ولا غرابة فإن الشيخ رحمه الله كان فانيا في العلم والتحقيق يغتنم كل دقه وجله.

٩- جاء مرة من رحلة قام بها في تركيا، فقال: إنهم أمة عمل وإقدام، ونحن أمة شعار ولا عمل، إنهم يركزون على البناء ونحن نركز على الهدم.

١٠- كلما نشتري كتابا من الكتب، يشجعنا على المزيد ويدلنا على اقتناء الكتب المفيدة، ويقول: اشتروا الكتب ولو بالاستقراض.

١١- يؤكد أن تكون بعض الكتب على طاولة الطالب في كل حين ووقت، وأن يعيش معها الطالب. ويقول: بعض الكتب تستحق أن تعيش معها طول حياتك.

١٢- يهتم بتلاميذه وتكييف مؤلفاته أكثر من نفسه وأبناءه، ويقول: شهرة الرجل بتلاميذه ومؤلفاته.

١٣- بعض الكتب الكبار التي تبلغ عشرات المجلدات يقول عنها: إني طالعتها ثلاث أو أربع مرات.

١٤- وكان يقول: لا تكتف بالمطالعة العابرة بل فكر في العبارات وحللها واستخرج منها اللآئي والدرر ولتكن لك عين ناقدة.

١٥- كان ألمعيا ناقدا، كان ينتقد المحدثين العظام في بعض منهاهجهم ثم يثني بالثناء عليهم، فيَبكي ويُبكي.

١٦- كان شديد الإعجاب بشيخه العلامة حسين أحمد المدني رحمه الله كلما ذكره بكى وسالت دموعه بغزارة، وكان يذهب بعض الأحيان إلى زميل له كان خادما للعلامة حسين أحمد المدني برهة من الزمن، فكنت أصحبه بعض الأحيان، فكانا كلما جلسا بدأآ بذكر محاسن العلامة المدني رحمه الله وبكيا بكاء طويلا.

١٧- كان يقول: إذا أردت أن تحيي خصمك فاذكره بسوء أو خير، مرة كتبت مقالة ونقدت السلفية واستعملت بعض الألفاظ القاسية، فضعب علي جدا واحمرت وجنتاه وقال: أنت بهذا أحييتهم ورفعت رأسهم. فكان لي هذا درسا بليغا جدا إلى يومي هذا.

١٨- كنت كلما أراه أزداد شوقا ورغبة، وكلما أجالسه أشعر أني جالست كبار المحدثين، جالست ابن حجر، والسيوطي والسخاوي والكشميري والكوثري رحمهم الله وقد أراهم في نومي.

١٩- كان يقول: ركزوا على العلم أولا ثم بايعوا المشايخ، ويقول من سارع للبيعة فاته العلم، الانخراط في سلك التصوف يتطلب أمورا قد يعجز الطالب عن القيام بها، ومن الخير أن يبايع بعد التخرج.

٢٠- وكان ينفخ فينا روحا جديدة ويردد دائما: الله آپ سے کام لے گا۔ الله يستخدمكم لدينه، ويقول: كم ترك الأول للآخر، يمكن لكم أن تلحقوا بركب السلف فلا تستصغروا أنفسكم ولا تحقروا جهودكم فإنكم على القمة.

رحمه الله تعالى ورفع درجاته وحشره مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

Please follow and like us:
عبد الرحمن محمد جمال
مدرس بجامعة دارالعلوم زاهدان - إيران، مهتم بالأدب العربي وعلوم الحديث وقضايا الفكر والوعي الإسلامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب