ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: في كل واد يهيمون (1)
قال صاحبي: سمعتك تقول: إنّ في قول الله تعالى: (والشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُم الغَاوُوُن) ثناء ضمني للصحابة رضي الله عنهم، وإبطال لدعوى كفار قريش واتهامهم له صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر! فكيف ذلك؟
قلت: صحيح.. فهو صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر بنَصّ القرآن حتى يكون أتباعه غاوين.. والله سبحانه لمّا زكّى كتابه ورفع من شأن كلامه المنزّل على نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَمَا تَنَزَّلَت بِهِ الشَّيَاطِين) ونفى أن يكون للشياطين تدخل فيه، بل القرآن يقهرهم ويطردهم.. قال سبحانه بعد ذلك: (هل أنبئُكم على من تنزّل الشياطين تنزّل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون) فإنه سبحانه توجّه بعد ذلك بالكلام عن الشعراء الذين يتبعهم الغاوون! وأتباع النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا كذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر حتى يتّبعه الغاوون..
لأن الشعراء يغوون أتباعهم بتخييلٍ أكثره غير حقيقي، وتنميقٍ لكلامهم بمقدمات وخيالات لا حقيقة لها، وقدحٍ في الأنساب، ووعودٍ كاذبة وافتخارٍ ومدحٍ لمن لا يستحق إلى آخر ذلك.
والشعراء يركبون الصّعب والذّلول ويخوضون خوضًا كبيرا فيما لا يقفون على حقيقته ويقولون ما لا يفعلون. فهُم حقًّا كما قال ربنا سبحانه: (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ)..
ثم استثنى سبحانه وتعالى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله في أشعارهم؛ فيكثرون في شعرهم من ذكر توحيده سبحانه والثناء عليه والحثّ على طاعته.. فقال سبحانه: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا) ومعنى (وانتصروا من بعد ما ظُلِموا) أي: إذا هَجَوا أحدًا كان بحقّ لكونه ظالما؛ فهم يهجونه انتصارًا للحق لا لأنفسهم.
وفي مرة قادمة إن شاء الله أبيِّن لكم حقيقة قوله سبحانه الذي وقفت عنده طويلًا متأمّلًا متعجّبًا؛ وهو قوله جلّ شأنه عن الشعراء أنهم: (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) فإنه أصدَقُ وصفٍ لهم وأبلَغُه وأوجَزُه؛ وهو ما سنفصّله في المرّات القادمة إن شاء الله، والله وحده الموفّق.