سعاد دعوب تكتب: الأقصى.. ومن بعده الطوفان!
الأحداث الكونية الكبرى يصنعها قدرٌ وعظماء، قدر مهد لميلادهم وعظماء مهدوا لميلاد هذه الأحداث.
الأحداث الكونية العظمى لا تتوقف على إرادة البشر وخاصة قاصرو النظر منهم، فالمشيئة الإلهية لا تنتظر مشيئة البشر، والأحداث الكونية متسقة مع قوانين الكون ولا تتناقض مع سنن الشريعة، لكن هذه الأحداث العظمى هي في الحقيقة تمثيل لقوانين الكون وفق مسار الشرائع، فلا يستقيم لها إلا أهل القدر والقدرة، ومن سخرهم الله لحماية دينه وحفظ شريعته.
السُنن الكونية:
هي آيات الله التي تحصل في هذا الكون، كأخذه المشركين والكفار بالعقوبة، ومَنّه بالنصر والتمكين للمؤمنين، فأصلها ودوامها مناط الإرادة والمشيئة، فهي خارج نطاق قدرات البشر، وتجري ولو خالفت قوانينهم العقلية والمادية الحاسبة؛ لأنه سبحانه هو من سنها فقال: {وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وأكده بالاقتران الشرطي غير المنفك في قوله : {إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ}، وقال في حتمية النصر للفئة المؤمنة بعد أن سن بالأمر المباشر القتال والتشفي ممن قاتل أهل نصرته فقال: {قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ}، كل هذه الآيات هي سنن كونية تؤكد حتمية ما أدت إليه من أحكام شرعية فرائض كلها لا ندب فيها، وإنما هي سنن لأنها تدوم ولا تتخلف، فتتهيأ لها السموات والأرضون ويمهد الله الأسباب لإنشائها والفجاءة بها، وإلجائنا إلى التأمل في عظمتها وعظمة المدبر الحكيم.
وفي معرض التذكير بحتمية البذل والفناء في اتجاه هذه القيم امتن علينا ببذل المهج في سبيل منع الفساد في الأرض فقال: {وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ}، فمن فضله أن جعل سنة الدفاع في سبيله سببا لرضاه من جهة وحسم مادة الشر واختبار المؤمنين وابتلائهم من جهة ثانية، فقال: {وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ}.
وبعد هذا كله يسألك قاصرو البصر عُمي البصيرة، لماذا كان الطوفان؟ وماذا جنى من ركبه من المغامرين بعد سنة من القتال والدمار؟!!
طوفان غزة سنة كونية وحدث كوني عظيم لمغامرين عظام، آمنوا أن لا موازنات في حفظ الأقداس، ولا مساومات في استعادة الحقوق، وأن البذل والفناء في سبيلها سنة كونية وفريضة شرعية، أما الموازنات فمحلها كيفية تحقيق ذلك، وقصدية الجهاد واتخاذه هدفا مباشرا لا جدال فيها ولا مراء.
فماذا يفعل هؤلاء العظماء الذين آلت إليهم كلية بذل النفس والمال وما غلا، في سبيل تلبية هذا الأمر الكوني وهذه الفروض الشرعية؟
لقد كان الطوفان من أجل الأقصى امتحانهم الذي اختصهم الله به فصبروا واحتسبوا، وسنته الشرعية التي حفظوها وبذلوا فيها الولد والأهل والمهج وما يملكون، أما أصناف المتفرجين والمتعاطفين بالتباكي والإرجاف فلا عزاء لهم ولا هناء.
ويظل الأقصى ومِن بعده الطوفان!
ومن بعد الطوفان ما بعده، من السنن الكونية الي تمهل ولا تهمل، والحكمة الإلهية التي تقدم وتؤخر، ومن لم يخرج تلبية لسنة شرعية أو لم يكن جزءًا من سنة كونية فسيصبح يومًا حدثا كونيا غير مأسوف عليه كما كان يهود أكتوبر قبل سنة، ويهود خيبر من قبلهم.
ولله جنوده والطوفان!
سعاد عبدالله دعوب