مقالات

سيد فرج يكتب: الثورة السورية وأثرها في ترسيخ التغيير السلمي (2)

قراءة موضوعية:

عكس التيار السائد في أروقة الحكم العربية.

في المقال السابق الثورة السورية وأثرها في ترسيخ التغيير السلمي (1)، قدمت فيه قراءتي لموقف الأنظمة العربية، تجاه انتصار الثورة السورية، وما يجب عليها القيام به.

وفي هذه السطور، أطرح رؤيتي (مختصرةً) حول المفهوم الاستراتيجي للتغيير الذي رسخته الثورة السورية وخلاصته ما يلي:

 {بالرغم من أنها ثورة، ومسلحة، وانتصرت، إلا أنها ترسخ مفهوم استراتيجي سلمي للتغيير، أو الإصلاح الآمن التوافقي، والمتدرج}

وبعيداً عن التصورات القشرية، والقراءات العاطفية، المنطلقة من تخوفات أو توهمات، يرددها ويتبناها بعض مؤيدي الثورة أو منظري الأنظمة العربية، فإنني أرى أن الثورة السورية ترسخ مفهوم استراتيجي للتغيير أو الإصلاح هو مفهوم: (السلمية الواقعية).

وهنا يرد السؤال الهام:

كيف رسخت الثورة السورية وهي ثورة مسلحة، مفهوم السلمية الواقعية، خاصة بعد انتصارها السريع في عملية ردع العدوان؟

وللإجابة على هذا السؤال بشكل صحيح نقسم السؤال إلى جزئين:

الجزء الأول:

هل عملية ردع العدوان والتي بدأت 27 نوفمبر ٢٠٢٤ وانتهت بسقوط نظام بشار في 8 ديسمبر ٢٠٢٤ تمثل بداية الثورة ونهايتها؟

أَو معاناتها وخسائرها؟ أوْ تمثل مداها الزمني مراحلها؟ أو تمثل كوابيسها وأحلامها؟

إن القول بأن الانتصار السريع، لعملية ردع العدوان يؤكد أن الاستراتيجية العسكرية، هي الوحيدة الفاعلة، والناجحة للتغيير في الدول العربية،

هو ناتج عن قراءة قشرية، عاطفية، منفعلة، غير واقعية، موجهة لأهداف خبيثة، لأن الثورة السورية بدأت في ٢٠١١ وانتصرت في ٢٠٢٤ أي قرابة 15سنة قُتل، وأُسر، وأُصيب، ونزح، وهُجّر ملايين السوريين،

وخسرت البلاد، والعباد مئات المليارات، وهناك ملايين المآسي، والحكايات المليئة بالحزن والفجيعة، ملايين الأسر المشردة، والفاقدة لعائلها، أو فلذة كبدها موتاً، أو أسراً، أو غياباً، بل وللأسف لم تنته فصولها بعد،

فمازال هناك عقبات، ومعوقات، وأخطار، وتهديدات، وتحديات، أمامها وأمام قيادتها “الرشيدة”، نسأل الله للثورة النصر ولقيادتها التوفيق والسداد.

إذن:

فالمشهد الأخير، بكل تفاصيله الجميلة، والسعيدة، لا يعبر عن سياقات، ومراحل، ومشاهد، وصور، القصة الحزينة، المليئة بالجرائم والإبادات، والفرقة، والتقاتل، والاختراقات، والدسائس، والخيانات، وبكاء الثكالى، والأطفال، وجثث، وأشلاء الموتى، والغرقى، فضلاً على أن هذا المشهد الأخير، لم يكتب كلمة النهاية، فنحن ننتظر أن يتم الله على سوريا نعمه.

فلا يستطيع منصف، عاقل، أن يقول أن هذا المشهد السريع السعيد، في ردع العدوان، هو كل ما يعبر عن الثورة السورية المسلحة،

فهو فضل من الله محض، على هذا الشعب، وتوفيق خالص من الله، لهذه الفئة التي أعدت، وصبرت،

وكانت بقية ما تبقى من الثوار، فأتت التغيرات الدولية، والإقليمية، في صالحهم، وعرت النظام، وكشفته،

بعد أن انفض عنه كل داعميه، فكانت هزيمته السريعة، وسقوطه المدوي.

الجزء الثاني:

كيف رسخت الثورة السورية المسلحة مفهوم السلمية الواقعية؟

وإجابة هذا السؤال تمكن في استنتاجات تاريخ، وسياقات، ونتائج الثورة السورية المسلحة،

وسلوك قيادتها في المرحلة الحالية، والمستقبلية، والتي نحاول اختصارها في العناصر التالية:

أولا: (الثورة المسلحة تم اختراقها ثم التحكم في أغلب فصائلها)

وذلك بطريقتين:

 أ- تحويلها لثورة مسلحة دون إعداد، وإرادة، وإدارة مسبقة.

ب- تم اختراقها، من قبل أغلب أجهزة المخابرات المعادية والصديقة للشعب السوري،

وتم تجنيد بشكل مباشر أو غير مباشر بعض مجموعة تنتمي لتيارات إسلامية، مختلفة، ومتنافسة، ومتخاصمة، ومتعادية فيما بينها،

يكفر ويبدع ويفسق بعضها بعضًا، وتم تمويلها وتسليحها بهدف إفشال الثورة، وقد كان.

ثانياً: (الثورة المسلحة فشلت على مدار 14 سنة لم تحقق إلا الفشل غير أنها انتصرت سريعاً في عملية ردع العدوان)

فأعداد القتلى، والأسرى، والمصابين، والنازحين، والمهجرين، بالملايين، وخسائر الاقتصاد بمئات المليارات، فضلاً عن تدمير المباني، والبنى التحتية لأغلب مدن سوريا.

ثالثا: (الثورة المسلحة هزمت نفسها واحتلت أرضها وأفقرت شعبها)

فلقد قاتل كثير من الفصائل بعضها بعضاً، وتركت قتال النظام، ثم أدخل الغرب والشرق،

واحتلوا الدولة، وقسموها لمناطق نفوذ، وعم الفقر والبلاء أرجاء البلاد وكافة العباد.

إذن:

(الثورة السورية المسلحة انتصرت على النظام، ولكن بعد قرابة 15 سنة، تم فيها قتل، وإصابة، وأسر، ونزوح، وتهجير الملايين من الشعب السوري،

وبعد أن تم تدمير البنية التحتية، لأغلب مدن سوريا، وحتى الآن تواجه الثورة ملفات وعقبات عديدة، يمكن أن تقضي على البقية الباقية من الدولة،

حيث أصبحت سوريا شبه دولة، ومازال هناك احتلال، وانقسام بعد كل هذه السنين والتضحيات.

فهل يمكن لمن شارك في هذه الثورة المسلحة، أن يشارك فيها، إذا كان يعلم أن مصير الثورة هو هذا المصير؟

بالتأكد لا.

لأنها حتى الآن لم تنجح إلا في إزالة النظام فقط – وهو إنجاز كبير وانتصار عظيم – رغم أنها تسببت في هدم الدولة وقتلت وإذلال الشعب.

لذلك:

لا تجد عاقلاً، يمكن أن يخوض تجربة الثورة المسلحة، إذا كان يعلم أن نهايتها كنهاية الثورة السورية المسلحة.

إذن: النتيجة هي:

(أن ما حدث في الثورة السورية ونتيجتها، وما يواجهها من عقبات حتى الآن،

وكذا من ينظر إلى سياسة قيادة الثورة بعد انتصارها، وخطاباتها التوافقية، والتشاركية، والعفو، وغير ذلك..

يؤكد أن هذه الثورة، ترسخ مفهوم السلمية العاقلة).

اللهم: وفق أهل سوريا لما فيه خير لها وللإسلام والمسلمين

سيد فرج

محامي - ماجستير سياسية واقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى