صفوت بركات يكتب: موت الحرية

صفوت بركات.. أستاذ علوم سياسية واستشرافية

في يوم 23 سبتمبر 2018 كتبت تحت هذا العنوان: موت الحرية.. هذا الجيل آخر جيل يتمتع بما يطلق عليه الحرية… وقلت:

شاع في العالم ومع حقبة العولمة ثقافة شكلت مساحة رمادية أو ضبابية زحف إليها كثير من الشعوب في العالم أملا في المثالية والأفلاطونية وتحقيق المدينة الفاضلة على الأرض وشكلت الطوباوية مصفوفة من الشعارات ومنها الحرية والتي كانت كمراكب المهاجرين عبر المحيطات والبحار لشواطئ مجهولة طمعا فيما روجت له مصفوفة قيم العولمة والتي داعبت أحلام الضعفاء لتلك الحياة الرغدة ورفاهيتها والتي منحت ثلثي شعوب العالم راية يرفعونها وشعارات يرددونها وكأنها دين جديد بلا نبي ولا كتاب سماوي ولكل منهم الحق أن يختار نسخته ويكتب دينه حتى أنه منحهم حق الانتساب لأكثر من دين في اليوم الواحد أو الجلسة الواحدة ومسخ البشر وجعل من حقهم ارتداء أكثر من وجه وساهمت كل الثقافات والفنون والمعاهدات واالتقنيات الحديثة والتكنولوجيا أدوات اتصال عابرة للحدود وحطمت كل الموانع حاملة تلك الشعارات وتبيع لهم تلك الأماني والأحلام وكأن العالم كان في حاجة ماسة لهذه الحقبة بكل ما وقع فيها خاصة بعد الحرب العالمية والتي كانت عملية غسيل ضمير لشعوب الأرض بعد أن سفك دم مائة وعشرين مليون نفس في حقبة زمنية قصيرة جدا بدأ من منتصف القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر بقليل حتى شكلت الخمسة الكبار وانتقل العالم من مصفوفة عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات المنبثقة منها كل هذا أصبح اليوم في مهب الريح وبدأ بالفعل إعادة النظر بوصول أول شعبوي لسدة الحكم في أقوى دولة في العالم

يمثل تعداد من يتمتع بالحرية في العالم اليوم نخبة وناس عاديين ثلثي العالم وهم أنصار حقبة العولمة والليبرالية الثقافية العولمة….

حتى لو لم تكن تتمتع بالحرية بقدر ما فستعرف بعد مضى عقد من الزمان أنك كنت حر ولو بقدر ما مقارنة بما ستقع في قيده مستقبلا من السير في اتجاه واحد وبكل مصفوفته ليس مهم أن يكون الاتجاه الصحيح أو المستقيم ولكنك حتما ستجد نفسك تتكلم وتفكر وتعمل وحتى تلهوا بما يفرض عليك أو ما تمليه الجموع الغفيرة من الناس أو ما ستفعله الرقابة التقنية عليك في كل حركة وسكون وتتجسس عليك حتى في خص خصوصياتك حتى علاقاتك الحميمة وسيستوى في الخضوع لهذا الطفل الرضيع والشيخ الكبير الهرم والشباب من الجنسين..

ولهؤلاء الشذاذ ومن يطلق عليهم المثليين سيسحب البساط من تحت أقدامهم وسيراجع العالم كل الاعترافات بحقوقهم وسيعاد النظر في كل ما اكتسبوه من مراكز قانونية ترتب عليها وجودهم وربما ستنشأ لهم مصحات أو محارق أو مستعمرات عزل صحي للمجتمعات كمستعمرات الجزام..

وفى غضون العقد القادم ستلوح مؤشرات هذا الكلام أو عقدين من الزمان على اكثر تقدير ستنجح الشعباوية الهوياتية الصهيوصليبية ومن عقر دارها بروما والفاتيكان بأن تستحوذ على السلطات بأوروبا وأمريكا وتنقلب على كافة التشريعات وتسن قوانين جديدة ومصفوفة قيم يتم على أساسها الولاء والبراء ومناهضة كل من هو مارق عليها فهي حركة الحركة الشعباوية مصطلحا والصهيوصليبية حقيقة والتي لها مصفوفة تصورات ونظريات عن الاقتصاد المحلى والدولي وستشرع في تطبيقه وهى حركة أشبه بحركة الشيوعية السالفة والتي حكمت الاتحاد السوفيتي سبعين عام وظن الناس إنها ماتت أو اندحرت…

وعلى الضفة الأخرى من العالم ستناهض الصين تلك الحركة وترفع شعار العولمة والحرية وتتبنى كل قيم العولمة وحرية التجارة ولتحافظ على مكتسباتها وإلا ستواجه الهدم من الداخل بحكم الحمائية الاقتصادية والتي هي أهم خصائص الحركة الشعباوية الصهيوصليبية الجديدة لوقف زحف الصين على العالم ووراثة أمريكا كقوة مهيمنة ولكنها ستفشل مما تلجئ للحرب المسلحة لفرض نفوذها وبيع منتجاتها…

وعلى الضفة الثالثة وهي منطقة العالم الإسلامي سيجد نفسه يفتش عن كل النصوص والتراث والموروث ليعيد له مكانته وسيعيد الاعتبار لكل رموزه وكأنه سيخرج الموتى من قبورهم وعندها سيعلم الناس أنهم خدعوا لحين من الدهر وسيتندر الناس بما كان سائد ويسخرون منه وسترفع رايات الحرب والتي لن تضع أوزارها إلا بنزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حتى لو بلغ زمن الحرب ألف عام..

وعندها فقط سيعلمون أن ما مات لم تكن الحرية ولا العولمة ولا الليبرالية ولكن كانت خدعة كبرى عاش الناس فيها قرن من الزمان تولى كبرها العالم بأكابر مجرميه ليعود العالم إلى فسطاطين وعقيدتين وهمج رعاع وسيعلمون أن من مات ليست

الحرية ولكن من مات هي حرية الهروب من الثوابت والهويات والعقائد

صفوت بركات

أستاذ علوم سياسية واستشرافية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights