عادل الشريف يكتب: المفتاح بين التغريبة والطنطورية
هل تتصور أن تجد شخصا يعيد تشغيل حلقة مسلسل ليستمع إلى كلمات أو مجرد كلمة أو جملة وخاصة أداء هذه الكلمة او تلك الجملة، لقد سحراني وليد سيف وحاتم علي في مسلسل صلاح الدين قبل أكثر من عشرين سنة، وبعد بداية الطوفان ألح ّ عليّ أحد الأصدقاء أن أشاهد التغريبة الفلسطينية أو أقرأ الطنطورية فبدأت بقراءة الطنطورية ولملمت جراحات القلب على علاته واكتفيت بما أوجعتني بكرابيجها الملهمة رضوى عاشور والدة الفذ تميم البرغوتي وزوجة الشاعر الفلسطيني مُريد البرغوتي وكأنها هي الطنطورية التي خرجت من بيتها وبلدتها الطنطورة إبان النكبة الفلسطينية ١٩٤٨ وهي تضع مفتاح البيت في صدرها غير شاكة أنها حتما سترجع إليه في غضون أيام، لكن الغربة تطول وتكاد تجاوز ثلاثة أرباع القرن ولم ترجع والمفتاح ينتقل من صدر إلى صدر ومن جيل إلى جيل ولايزال هذا المفتاح يمثل حزمة الأمل مع اليقين الجازم أن لابد حتما من العودة .
سألني الحبيب هل شاهدت التغريبة فأجبت دامعا بل اكتفيت بالطنطورية فكرابيج ابنة عاشور كانت مؤلمة مبكية فقال لن أسامحك حتى تشاهد التغريبة، إن مثلك ينبغي أن يصرخ لا أن يبكي والتغريبة ستجعلك صارخا فلربما يستنفر صراخك عزمة الأحرار ليفعلوا شيئا من أجل العزيزة الغالية غزة.. شاهدت التغريبة ومرة أخرى يرغمني سيناريو وحوار وليد سيف على حفظ الكلمات وإعادتها مرات، ويجبرني حاتم علي على التركيز الحاد في وجه كل ناطق وكل ناظر وكل مشارك، إيه يا حاتم الجميع يظن انك توفيت وفاة عادية في أحد فنادق القاهرة لكنني أجزم وكأني حين ألقى الله يوم القيامة سأسأله ان يجيبني على الثلاثة أسئلة هذه تكرما منه فهو من وعد ( يوم القيامة يفصل بينكم ):
ألم يكن عبناصر يهوديا ورط مصر في حروب اليمن و٥٦ و٦٧ ليقضي على مقومات هذه الأمة ووكل السادات زوج الإنجليزية خلفه ليستمر في فاعليات مؤامراته ووكل حافظ الخنزير في سوريا لذات الجريمة وجاء مبارك زوج الإنجليزية أيضا ليكرس لنفس صهينة الحياة المصرية وجاء السيسي يهوديا مباشرا يستمتع بتجريف سيناء من عناصر الرجولة والمقاومة ويبدد النيل ويعدُّ نفسه قديسا يهوديا وهو يغلق مغبر رفح بإحكام ٢٠١٤، ٢٠٢١، ٢٠٢٣ لتنسحق غزة تحت وطأتي القصف الجبان والحصار الخانق الأجبن.
ألم يكن حكم معاوية فاتحة شر لكل الملكيات المجرمة التي حكمت عالمنا الإسلامي.. وهل من شريعة شرعة الشورى أن ينتقل الحكم إلى أبناء الصالحين حتى لو كانوا خونة أو أطفال بلهاء مثلما طالعنا كثيرا في بعض الصفحات السوداء من تاريخنا.
ألم يُقتل (حاتم علي) في القاهرة بتواطؤ من المخابرات المصرية والصهيونية والأمريكية والإنجليزية والاردنية والخليجية لإنه كان يغسل غسيل الأدمغة ويبدد جهود عشرات السنين ومئات المليارات.
المفتاح مرة اخرى في التغريبة لكنني هذه المرة وقبل لقطة المفتاح ضغطت ذر الإيقاف لأنني ما عدت أتحمل، ولما حاول من يشاهدون معي التبرم من التوقيف وجدوا دموع المأساة على وجهي قبل ان يشاهدونها على الشاشة فضغطت ذر التشغيل لتشارك دموعهم دموعي.. الأم في التغريبة وجه فلسطيني شامخ لا تبك وإنما تبكيك، لا تصرخ ولكنها تُصرخك، أحصي الدقائق الباقية في الحلقة الثامنة عشر لكي أتوقف عن مشاهدة نكبة ٤٨ ولتتحول الشاشة إلى الجزيرة وعرض السيدة سلام للخارطة العمليتية في خان يونس وحباليا وليقيّم الدويري الإنجازات القسامية وليحلل أفلام المقاومة الصادقة وأفلام عدوهم الكاذبة، وليشفي غليلي وغليل كل حر يحب الحق ويكره الظلم، وكأن القساميون يثأرون لكل من ظُلم على امتداد ثلاثة ارباع قرن وبمن فيهم حاتم علي.. وعلي بطل مسلسل التغريبة الفلسطينية فلتشاهدوه فربما يكون هذا جهدك أيها المغترب ليس عن فلسطين فقط فلربما أيضا يكون مغترب فلسطين أوفر حظا من مغتربي مصر وسوريا والخليج، فلقد قابلت مغتربا خليجيا يبكي على فساد بلاده وضياعها من أهلها أكثر من ضياع فلسطين ألف مرة، لا تبكوا فالقساميون لا يبكون.