عامر شماخ يكتب: «25 يناير».. اليومُ الأغرُّ
وهل مرَّ على المصريين يومُ حرية مثل هذا اليوم؟ لقد زُلزلت الأرضُ تحت أقدام الطغاة، وخرج الملايين، لأول مرة منذ عقود، مطالبين بـ«العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية»، زاحفين إلى ميادين المدن وعواصم المحافظات، مجبرين دولة الفساد والاستبداد على الرحيل، وقد باغتوا الديكتاتور وزبانيته في حصونهم، بعدما ظنوا أنها مانعتُهم، فلم يستطيعوا حراكًا؛ إذ شلَّ الجمعُ الوطني الهادر ألسنتهم وكبَّل أياديهم.
وهل تُنسى أيامُ هذه الثورة العظيمة وقد تلاحم الجميع ضد الطاغية، معلنين تحديهم لقواته وميليشياته، مستهزئين بتهديداته وشائعاته وسحرته الذين جُنَّ جنونهم لذهاب ولىِّ نعمتهم وحامى فسادهم؟ لا يمكن لحرٍّ شارك في هذه الثورة أو دعمها أو تابع أحداثها أن ينسى تلك الأيام التاريخية المجيدة التي شُحنت بمشاهد وأحداث جاءت عفوية؛ لتعبر عن «حالة الثورة» في النفوس وعن «فطرة الحرية» التي فطر الله الناس عليها.
ما أحلى هذا اليوم وأعظمه، وما أجمل مرور ذكراه.. ولو سألوني: أي أيام عمرك أحبُّ إليك؟ لقلت دون تردد: هذه الأيام، أيام ثورتنا العظيمة، وقد رأيتُ فيها كل جميل، ورأيتُ قدرة الله على الخلق، وعظمته في تدبير شئونهم، كما رأيتُ هشاشة الظالم وصغاره وحقارته عكس ما يبدو لنا من بطشه وقوته.. لقد كان بحق يومًا من الأيام المشهودة، ومن أبرِّ الأيام وأخيرها على المصريين.
يعيش المصريون جميعًا منذ هذا اليوم -إلا قلة من المفسدين- حالة الثورة، وتأتى ذكراها لتجدد في نفوسهم ذلك الشعور الجارف بالحنين إلى تلك الأيام التي قُطع فيها دابرُ الظالمين الذين ظنوا ألا مُخْرِجَ لهم من مساكنهم التي حصَّنوها بالدبابات والطائرات، ورصَّعوها بالذهب والماس من قوت الشعب الذي يقع ثلثاه تحت خط الفقر.
وفى يقيني أن من ذاق الثورة وعرف جدواها لن يسلك طريقًا غيرها ولو ساوموه بكذا وكذا، ولو فتنوه وسجنوه وصادروا أمواله وفعلوا معه الأفاعيل، فإن الحرية لا تُقايض بمتاع ولو كان قناطير مقنطرة ومناصب مبهرة وجاه ومنصب، فإن للحرية ناقوسًا يدق في وجدان كل إنسان سوىٍّ، وفى عقله ووعيه، تحرّضه على الكرامة والإباء، وتحضه على بُغض الظلم وحرب الظالمين؛ فلن يكف -من ثم- عن الثورة إلا بردِّ المظالم واستعادة الحقوق، كما استعادة الحرية والديمقراطية.
ويظن المغيبون أن هذا هراء، أو تخدير عقول.. وأحسبها حقيقة يغفلونها عمدًا؛ لئلا يتذكروا المواجع فتنكسر قلوبهم ويتحسروا على أموال نهبوها ومناصب اغتصبوها ووجاهة فرضوا أنفسهم عليها وهي ليست لهم، بل تتأبى عليهم إذ لا تقبل إلا حرًّا أو ذا كفاءة.. إن في أمتنا نارًا متقدة وسعيرًا على كل مغتصب لحقها، مجترئ على عُرفها وشرعها، ولن تنطفئ تلك النيران وذلك السعير إلا بقصاص عادل فيمن ولغوا في الدماء وصادروا الأموال وباعوا الوطن بالقطعة، كما خذلوا شريعته وقد نسوا الله وباعوا ضمائرهم للشيطان.
«والله بعودة يا شهر يناير»، وقد شرُفت بتلك الثورة التي بيَّض الله بها وجه «المحروسة»، وأعاد لبنيها مكانتهم التالدة ودورهم البارز في قيادة الأمة وقَطْرِها إلى الخير وفكِّها من الأسر وصد العدوان عنها.. عدتَ يا يناير حاملًا نسمات الحرية، مبشرًا بعودة الحق، هاديًا إلى الثورة وقدرتها على إزهاق الباطل ودحض المفتري، وإنا على عهدك بنا: أحرارًا ثابتين غير مبدلين ولا مغيرين، ذلك بمشيئة الله وعونه.