مقالات

عامر شماخ يكتب: أثر الإيمان في بيوتنا المسلمة

الإيمانُ هو التصديق التام والاعتقاد الجازم بوجود الله تعالى، وأنه رب كل شيء ومليكه، وخالقه ومدبره، المعبود دون سواه، وهو قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، ويزيد الإيمان بطاعة الله وينقص بمعصيته، وهو بضع وستون شُعبة، وأمانة بين العبد وربه، وعهد بينه وبين الناس، وهو مما يحمل صاحبه على مكارم الأخلاق وجميل السجايا والصفات؛ (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 2-4].. ومن علاماته: الاقتداء بالنبي ﷺ، وموافقة الفعل القول، ونشر الخير بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حياةٌ طيبة:

يحيا المسلمُ حياة طيبة طاهرة، ملؤها السعادة والأمن والتوفيق، بفضل الإيمان بالله تعالى؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ([النحل: 97]، وإذا ما تغلغل الإيمان في قلب المسلم صار عزيزًا بخالقه، واثقًا بمبدئه، شامخًا في وجوه الأعداء؛ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8]، وينير الإيمان طريق صاحبه، ويجنبه الوقوع في المحارم والشبهات؛ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153]، ويقيه أمراض المجتمع وأدواء التعصب والفخر الكاذب، ويفجّر في نفسه طاقات عجيبة تدفعه إلى التضحية والصبر واحتمال الصعاب.. وإذا ما تم تربية الفرد المسلم على تلك الصفات الإيمانية السالفة وأمثالها، نتج عن ذلك مجتمعٌ صالح، خال من الفُرقة، سالم من الانقسام، قائم على التقوى والطُهر، والعفو والصفح، يعزز القيم الإيجابية، ويوفر الدعم النفسي لمنتسبيه، مجتمع سوي لا يعرف غشًّا ولا كذبًا ولا مداهنةً ولا خديعة.

سمات البيت المسلم:

ومن سمات البيوت المسلمة أنها قائمة على الإيمان، مبنية على قواعد الإسلام؛ (والَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ…) [الطور: 21]، وهي من أجلّ نعم الله لأصحابها، فهي عامرة بالصلوات، وبالذكر والطاعات، تقية نقية، متراحمة متآلفة، متواضعة زاهدة كريمة؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]، بها تطمئن النفوس، وتُستر الأعراض، وتُحفظ الأنساب، وتتربى الأجيال، ويتشكل منها المجتمع المسلم المثالي.. فالإيمان الصادق بالله ورسوله ﷺ وما يقتضيه من خشية الله وتقواه والاجتهاد في طاعته واجتناب معاصيه، يرسّخ بنيان الأسر فلا تهزها ريح الفتن أو هبّات الخلافات أو دواعي القطيعة والنشوز، وهو ما يعلي شأن الإسلام الذي عجزت سائر الأنظمة والأديان أن تنحى منحاه وأن تصل بمجتمعاتها إلى هذه الدرجة من التحضُّر والرقيّ.

أثر الإيمان على البيوت المسلمة:

للإيمان الصحيح فوائد وثمرات جمّة على البيوت المسلمة، عاجلة وآجلة، في الدنيا والآخرة، منها:

• المحافظة على الفطرة: فالبيت المسلم سليم الفطرة، قائم على الحياء، يقوم كل فرد فيه بدوره، فلا يتشبه أحد الجنسين بالآخر، ولا يعرف فسادًا أو انحرافًا، ويعادي الميوعة والشذوذ.

• اتباع الحق وعدم الزيغ: فالمؤمنون ينتفعون بالمواعظ، ويتبعون الحق، ويجتنبون الباطل، قولًا وعملًا، وبالإيمان تنقطع الشكوك؛ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا…) [الحجرات :15]؛ ما يمنعهم من الوقوع في الموبقات والمهالك.

• حصول محبة الله ومحبة الخلق: فمن يعمر الإيمان قلبه ويعمل بمقتضاه يحظى بمحبة الخالق سبحانه؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا) [مريم: 96]، (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 76]، ومن بعدها يحظى بمحبة الخلق، وكلتاهما نعمة كبرى للعبد الذي أراد الله أن يرفع قدره.

• الفوز بولاية الله: فإذا حاز المؤمن رضا الله فاز بولايته، وهي ثمرة كبرى ومُكنة عظمى؛ (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [البقرة: 62، 63]، فيكونون في مأمن من الجوْر؛ (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا…) [الحج: 38]، وفي مأمن من الخوف؛ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: 173، 174].

• سعادة الدارين: فقد بشّر الله عباده المؤمنين بالسعادة التامّة في الدارين؛ (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة….) [يونس: 64]، ووعدهم الحياة الطيبة؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]، (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) [مريم: 63]، ولن يخلف الله وعده.

• حلول البركة: فمن ثمرات الإيمان على البيت المسلم حلول البركة بكل أشكالها وألوانها؛ مصداقًا لقول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ….) [الأعراف: 96]، فلا يقعون في الضوائق، ويُرزقون من حيث لم يحتسبوا؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2، 3]، وتتيسر أمورهم؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4]، وينجيهم الله من فتن الدنيا وبلاءاتها؛ (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [فصلت: 18].

كيف نحمل بيوتنا على الإيمان؟

الزوج والزوجة شريكان في حمل بيتهما وأبنائهما على الإيمان والتقوى، وهذه المسئولية في حق الزوج أعظم؛ إذ هو ربُّ الأسرة وراعيها المكلف بوقايتها من النار. وهناك وسائل عدة لصناعة التقوى في بيوتنا، منها:

• أن نحقق العبودية لله في بيوتنا: ونحتكم إلى شرع الله تعالى في كل أمورنا، في سيرنا ومسيرنا، واتفاقنا واختلافنا، وفي أفراحنا وأتراحنا؛ فإنه عاصم من الزلل؛ (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور) [لقمان: 22].

• أن نحصن أنفسنا من الشيطان، ذئب الإنسان: بكثرة الطاعة وذكر الله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41، 42]، وألّا نمكن هذا العدو من بيوتنا؛ (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر: 6]، الذي يكافئ جنده على تخريب بيوت المسلمين، والتفريق بين المرء وزوجه.

• أن يكون الأبوان قدوة إيمانية لأولادهما في كل شيء: ليكون بيتهما بيتًا للإيمان وليس بيتًا للنفاق عياذًا بالله؛ (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) [الأعراف: 58].

• وألّا يطعم الأب أبناءه إلا من حلال: فإنه ضمانة لبرهم وصلاحهم، وتقواهم وإيمانهم؛ (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [النساء: 9].

• والدعاء خيرُ وسيلة لتحقيق الهداية والرشاد: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ…) [الأعراف: 56]، فاللهمّ اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت. والحمد لله رب العالمين.

عامر شماخ

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى