عامر شماخ يكتب: إسرائيلُ تغتالُ القانونَ الدوليَّ [2/ 2]
لا ترتكب «إسرائيل» جريمة واحدة في حق الشعب الفلسطيني وتستدعى العقاب الأممي، بل ترتكب جرائم متعددة جميعها يعاقب عليها القانونُ الدولي؛ فعلى مدى عقود تقوم بجرائم حرب وقتل غير مبرر لأصحاب الأرض، وتتعمّد استهداف المدنيين بما يخالف الأعراف والمواثيق الدولية، بمن فيهم النساء والأطفال، واستخدام القوة المميتة في معظم الأحيان، وقد بلغ من قُتلوا منذ عام سبعة وستين من غير ضحايا حرب «غزة» في ألفين وثلاثة وعشرين أكثر من أحد عشر ألف فلسطيني، غير سجن مئات الآلاف بمحاكمات عسكرية جائرة.
واتبع الصهاينة سياسة التهجير القسري للفلسطينيين والتي تمثل انتهاكًا للقانون الدولي، وما يترتب عليه من مصادرة أراضي المهجّرين وضمها لصالح المستوطنات، وعلى مدى خمسين عامًا أخلت «إسرائيل» قسرًا مجتمعات فلسطينية بكاملها، كما هدمت عشرات الألوف من منازلهم؛ ما جعل أصحابها بلا مأوى وتسبب ذلك في معاناة هائلة.. وقد أبقت «إسرائيل» على شكل متطرف من أشكال التمييز المجحف وهو نظام الفصل العنصري، بقمع الفلسطينيين، وتشديد القيود على حركتهم، وتقطيع الأراضي بعد نزع ملكيتها، والعزل والسيطرة، والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.. كما اتبع الصهاينة سياسة الحصار والتجويع الجماعي، برًّا وبحرًّا وجوًّا، مثلما هو الحال في غزة منذ عام ألفين وخمسة، بقطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء والوقود، وهي جريمة إنسانية بالدرجة الأولى، لكن.. من يحاسب اليهود؟!
حسب «اتفاقية جنيف» وغيرها من الإعلانات الدولية؛ تعد المستوطنات التي شيّدها الاحتلال الصهيوني غير قانونية، وتمثل خرقًا لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، وكثيرًا ما طُلب من الصهاينة الكفّ عن إقامة تلك المستوطنات وتغيير التكوين الديموجرافي للمنطقة، لكن كالعادة لا تعترف «إسرائيل» بأي سيادة قانونية أو دولية، فلم تتوقف يومًا عن البناء حتى تغيّرت ديموجرافية الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقد وفّرت «إسرائيل» في المقابل الحماية لمستوطنيها، وقدّمت لهم الخدمات التي حرمت منها الفلسطينيين، وفى حين يتعامل المستوطن حسب القانون المدني يخضع الفلسطيني صاحب الأرض للقانون العسكري..
وليت الأمر اقتصر على عمليات البناء وتسكين اليهود فيها، بل يسبقها طرد الفلسطينيين عنوة من أراضيهم، وتدمير منازلهم وسُبل عيشهم، وفرض القيود على تنقّلاتهم.. لقد تم توطين ما يزيد على ستمائة ألف يهودي في الضفة الغربية؛ ما تطلب الاستيلاء على مائة ألف هكتار من الأراضي، وتدمير خمسين ألف منزل وبناية، واحتكار مصادر المياه.. وهذا كله يعنى معاناة الفلسطيني وبشكل يومي من عمليات الإذلال والخوف والقمع بعد أن صار رهينة فى يد الصهاينة.
بلغ عدد القرارات الصادرة عن «الأمم المتحدة» ومنظماتها فيما يتعلق بحق الفلسطينيين أكثر من ثلاثمائة قرار ملزم، منها نحو مائة وأربعين قرارًا من مجلس الأمن وحده، استهانت بها «إسرائيل» جميعًا، معتبرةً إياها حبرًا على ورق، وهذا كله بسبب التواطؤ الأممي والصمت الدولي والتخاذل العربي، فـ«الأمم المتحدة» هي من خلقت أزمة اللاجئين عندما عالجت العَرَضَ وتناست جذور الأزمة وقد أبدت عجزها حيال معاقبة اليهود، فبدتِ العدالةُ الأمميةُ هزيلةً متقاعسةً ذات منطق معكوس..
كما لا ننسى أن «إسرائيل» نشأت من الأساس بقرار من «الأمم المتحدة»، بل إن انصياعها لـ«إسرائيل» طوال الوقت يؤكد أنها خُلقت لإيجاد دولة يهودية على حساب الشعب الفلسطيني.. وما كان لدولة الصهاينة أن تدوم أيضًا لولا «الفيتو الأمريكي» الذي ينقض كل قرار في غير صالحها، ولولا الدعم الأمريكي غير المحدود من جانب الحكومات الأمريكية على اختلاف توجهاتها الحزبية ما كان لـ«إسرائيل» أن تستمر، يضاف إلى ذلك اقتفاء أنظمة الدول الغربية نهج الأمريكان في الانحياز الأعمى لليهود دون مراعاة للقانون الدولي أو الجوانب الإنسانية..
أما ثالثة الأثافي فهي الصمت العربي المطبق، والتردد في المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني، بل التخاذل الواضح رغم مجازر الإبادة اليومية.. وهو ما يستدعى من شعوبنا العربية والمسلمة بناء مؤسسات قانونية وحقوقية تطارد الاحتلال في المحافل الدولية، وتوثيق جرائمه تمهيدًا لمحاكمته، وخلق رأى عام عالمي مساندٍ للقضية الفلسطينية كاشفٍ للتزييف والدعاية الصهيونية، ومن المهم أيضًا تفعيل المقاطعة بكافة أشكالها وتنوّع ساحاتها، وفضح الدول والمؤسسات المساندة لهذا الكيان خصوصًا التي تورّد له الأسلحة وتمده بالعتاد العسكري، فضلاً عن الضغط على أنظمتنا العربية والمسلمة لاتخاذ مواقف إيجابية داعمة للقضية، وقطع علاقاتها بالكيان الغاصب.