عامر شماخ يكتب: بلدُ المجازرِ والإعدامات
حيثما توجّهت الآن حول العالم، سوف تُفاجأ –كمصريّ- أن سُمعة بلدك تسبقك إلى هناك، وليتها سُمعة طيبة تبشّر بعظمة تاريخ هذا البلد، أو بكرم أبنائه مع السائحين، أو كبلد واعد في مجال التقنية والتقدم الحضاري… أبدًا ليس كل هذا، بل كبلد منزوع الحريات، منتهك الحقوق، يُعامَل أبناؤه من قبل نظامه بالقمع والإجبار، ويُقتل الواحدُ منهم فلا دية له، ولا يُسأل في ذلك قاتلُه، كما أخبرت «أم ريجيني»: (قتلوه كأنه مصري)!!
بعد عشر سنوات من الانقلاب العسكري صارت مصر سجنًا كبيرًا، سلخانة لأبنائها، وطنًا طاردًا لهم لصعوبة العيش فيه، وفرارًا من الظلم والظالمين، بلدًا تضاعفت فيه أعداد السجون وانهارت فيه –في المقابل- الصحة والتعليم وسائر الخدمات العامة، ولم يعد فيه مواطنٌ آمنًا على نفسه من سلب ماله، أو سجنه وتشريد عياله، وقد تخطى ذلك الرجال فصارت النساء أيضًا عُرضة للبطش والإخفاء.
في الثاني عشر من مارس عام ألفين وواحد وعشرين أصدرت ثلاثون دولة أعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بيانًا أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء (مسار حقوق الإنسان في مصر)، وفي يوليو من العام نفسه طالبت ثلاث وستون منظمة حقوقية، من بينها: العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، بــ(فك الخناق عن الحريات)، وتحدث بيانها عن خطورة قيام النظام العسكري بحبس باحثين عن العدالة مثل: هدى عبد المنعم ومحمد الباقر وعزت غنيم وغيرهم.
ورغم حاجة البلاد الشديدة لتشييد المدارس والمستشفيات، ورغم حالتها الاقتصادية المتردية البادية في عجز الموازنة وتضاعف أرقام الديون الداخلية والخارجية –توسّع العسكر في بناء السجون؛ لحبس خصومهم السياسيين وقوى المعارضة المختلفة، والذين زادت أعدادهم على أعداد الجنائيين؛ حيث تخطوا الـ(الستين ألف) سجين ومعتقل. وقع الانقلاب عام ألفين وثلاثة عشر وعدد سجون مصر ثلاثة وأربعون سجنًا، وانتهى عام ألفين واثنين وعشرين وقد بلغت ثمانية وثمانين سجنًا، بزيادة قدرها خمسة وأربعون سجنًا، أي ما يزيد على مائة في المائة، بتكلفة متوسطة قدرها (مليار جنيه) لكل سجن، هذا غير السجون السرية في معسكرات الأمن. ويتطلب هذا العدد الضخم من السجون ميزانية ضخمة كذلك؛ حيث بلغت مخصصات السجون في العام ألفين وثلاثة عشر وألفين وأربعة عشر (سبعمائة وخمسة وثمانين مليون جنيه)، زادت في ميزانية عام ألفين وعشرين وألفين وواحد وعشرين إلى (مليارين ومائة وستة وثمانين مليون) جنيه.
ومن بين نحو ثلاثة آلاف حكم بالإعدام على المعارضين للنظام، خصوصًا الإسلاميين، هناك نحو ألف حكم لا زالت متداولة في درجات التحاكم، منها نحو مائة حكم صارت باتّة ونهائية تنتظر التنفيذ، غير ما يزيد على مائة حكم تم تنفيذها في السنوات السابقة كما أوردتها منظمة (كوميتي فور جستس) والتي رصدت تنفيذ مائة وخمسة أحكام بالإعدام، في ثلاث وعشرين قضية، في السنوات من ألفين وخمسة عشر إلى ألفين واثنين وعشرين. وهذا ما جعل مصر في المرتبة الأولى عالميًّا في أحكام الإعدام في عام ألفين وواحد وعشرين، والثالثة عالميًّا في تنفيذها حسب منظمة العفو الدولية.
ومهما وصف الواصفون ما جرى في ميدان «رابعة العدوية» يوم الأربعاء (الرابع عشر من أغسطس عام ألفين وثلاثة عشر) على يد قوات الانقلابيين ضد المعتصمين السلميين لن يوفوا الحادث حقه.. أسفر فض الاعتصام عن ألفين وستمائة شهيد، وضعفهم من الجرحى والمصابين، معظمهم جاءت إصابته بالرقبة والصدر، وقامت قوات الجيش والشرطة بقطع الكهرباء عن الميدان، وشبكات الهاتف والإنترنت، كما قامت بحرق مخازن الدواء، قبل أن تخلي المستشفى الميداني بطوابقه الستة، عن طريق قصفه بقنابل الغاز والأعيرة النارية والخرطوش، وتفريق الأطباء بالقوة لمنعهم من إسعاف الجرحى، ثم حرقه بالمصابين والجثث التي بداخله، وقد منعوا دخول سيارات الإسعاف إلى الميدان لنقل الجرحى والمصابين.