عامر شماخ يكتب: في مصر.. «اللحم للأغنياء فقط»
بعد غياب العدل وزوال البركة صار اللحم من نصيب الأغنياء فقط، وقد بلغ سعر الكيلو، فى المتوسط: (٣٥٠ جنيهًا)، وهو ما لم يبلغه فى سوريا والعراق اللذين كنّا نحمد الله أننا لم نصِرْ مثلهما…
وحينما اتجه الناس إلى بروتين الفقراء (الفراخ) بديلًا عن اللحم وجدوه أيضًا للأغنياء فقط، بعد تدمير صناعة الدواجن؛ حيث صرنا ننتج (٧٠٠ ألف دجاجة يوميًّا) فقط بعدما كنا ننتج (٢.٥ مليون دجاجة)..
من ثمّ بات المواطن يتحسر، خصوصًا كبار السنّ، على أيام خلت كان اللحم يدخل بيوت الجميع وبأسعار يتحملها الغنى والفقير، وقد استمر هذا الأمر حتى عام ٢٠١٣، عام النكد، ومن بعدها تضاعفت أسعار اللحوم وباقي السلع حتى بلغت ثمانية أو تسعة أضعاف.
لا زلت أذكر أنني كنتُ أشترى، في أوائل التسعينيات وفى مطلع كل شهر، خمسة كيلو جرامات لحم (من الموزة) بأربعين جنيهًا، أي بثمانية جنيهات للكيلو، وكانت الدجاجة المتوسطة في حدود ثلاثة جنيهات وكيلو السمك البوري بأربعة جنيهات..
وفى مرحلة سابقة كنت أشترى كيلو اللحم بجنيه واحد، وكان الجزّارون في قريتي يبدعون في الدعاية لذبائحهم كي يقبل عليها المشترون، ويتنافسون في ذلك منافسة شديدة؛ إذ يأتي أحدهم بالبهيمة، أعزّكم الله، جملًا أو جاموسة أو بقرة، وهى من أصح وأجمل ما عنده فيلبسها القماش المزركش ويضع عليها الزينات والبلالين، وينظم لها زفة تدور القرية قبل ذبحها بيوم، وما إن تنتهي زفة ذلك الجزار حتى تتبعها زفة جزار آخر، وهكذا…
وكان يوم الذبح، وهو يوم السوق، وكان عندنا هو يوم الأربعاء، أشبه -والله- بيوم العيد، من حيث الزحام وتلاقى الناس واستبشارهم وفرحهم، فنادرًا ما يُخرم إنسان من تناول اللحم فى هذا اليوم..
بل عاصرتُ، وكنتُ بالغًا عاقلًا، سعر كيلو اللحم بأقل من جنيه، ولا زلت أذكر حوارًا دار بيني وبين صديق لي، وكان عائدًا من عند الجزار يحمل لفة لحم فسألته: بكم؟ قال والله بثمانين منه لله – يدعو على الجزار- أي الكيلو بـ ٨٠ قرشًا.
كيف حدث هذه؟ ولماذا جفّ الضرع، وهلك الزرع وانتُزعت البركة؟ كلكم تعرفون الإجابة. نسأل الله السلامة والنجاة. اللهم نبرأ إليك من فعل الظالمين، فلا تؤاخذنا بما فعلوا، اللهم إنّا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونرجو منك الخير كله، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين فنزلّ ونخزى.