عامر شماخ يكتب: مستقبل القضية الفلسطينية [2/ 2]
لقد كُتب على الفلسطينيين القتال والصمود، فلا يمكن أن تجتث من عقولهم فكرة المقاومة،
ومن غشم العدوّ أنه هيأ لهم محفّزات جعلت هذا الفكر المقاوِم متجددًا على الدوام، حاملًا همَّ أمته، لا يرضى سوى بالانعتاق من قيود المحتل البغيض،
وكلما أتى جيلٌ مقاوِم بدأ من حيث انتهى الجيل الذي سبقه في عزمه ومضائه، مصعِّدًا في فعله المقاوِم، أكثر جرأة وقدرة على المبادرة،
ولديه من الخطط ما يهين به العدو، ويكسر شوكته، ويستنزف مقدّراته.
وقد غدتْ هذه المقاومة ثقافة عامة لدى الشعب الفلسطيني كافة.. في شهر يونيو عام ألفين وأربعة وعشرين أجرى «المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات المسحية» استطلاع رأي،
أظهر أن ثلثي الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة يؤيدون ما جرى يوم السابع من أكتوبر،
وغالبيتهم يؤيدون «حماس» ويفضلون المقاومة كخيار لإنهاء الاحتلال.
من المؤكد أن دماء الشهداء ستكون وقودًا للمعركة، حافزًا على مواصلة الكفاح، عربونًا للتحرر من هذا الاحتلال،
فلا تَقَادُمَ للقضية والجُرح الفلسطيني نازفٌ لم يلتئم، وإنّ تضحيات الشعب التي لم تتوقف يومًا سيجعلها غير قابلة للمساومة أو النسيان..
منذ البداية وضع الفلسطينيون لأنفسهم إستراتيجية ثورية في مواجهة المشروع الصهيوني تتطلب صمودًا وصبرًا كبيرين،
وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح، رغم اقتلاعهم من أرضهم ورغم نكسات العرب المتتالية؛ ما يكشف عن إرادة قوية، وعزيمة ماضية تستهين بالحياة وتسترخص الدماء..
اقرأ أيضًا
عامر شماخ يكتب: مستقبل القضية الفلسطينية [1/ 2] |
ولقد تميزت الثورة الفلسطينية دومًا بطابعها الشبابي؛ ما يؤكد استمراريتها وعافيتها وقدرتها على التوريث جيلًا إثر جيل،
وضربت «غزة» المثل في البطولة والفداء، وهي تتشبث بالحياة رغم الاحتلال والقمع والحصار،
بل باتت تضرب العدو في مقتل وهي تحمل راية الأمة وقد رسمت عليها مستقبل فلسطين،
وشق الأبطال طريقهم نحو الحرية، رافضين كل أشكال الذل والاستسلام،
مصرِّين على مواصلة النضال رغم عظم التضحيات؛ ضمانة لاستمرار الثورة وتطورها حتى التحرر والاستقلال،
وفي عزمتهم فكرة: (تسقط الأجساد ولا تسقط القضية).. وقد مُلئت ذاكرتهم بالدم والدموع على مدى عقود.
عجز العدو عن تدجين الشعب الفلسطيني
إزاء مسيرة المقاومة الفلسطينية العنيدة والمستمرة، عجز العدو والسلطة المتخاذلة التي تعاونه، عن تدجين الشعب الفلسطيني أو كي وعيه،
بل تعزّز الصمود على سائر الجبهات، حتى في الضفة التي يقيد مقاومتَها مسلَّحُو سلطة «رام الله»، وما يُقال عن الداخل الفلسطيني يُقال عن مواطني الشتات..
وهو ما أفسد خطط الصهيوني الذي بنى دولته على فكرة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)،
فأثبت الفلسطينيُّ أنه صاحب الأرض والعدو دخيل محتل ليس له إلا السلاح، وقد كفر بالتفاوض المشئوم الذي لم يجلب له سوى الخزي والعار..
وهذه الحالة من الممانعة ورفض التطويع نشأ عليها الجيل الجديد من حيث أرادوا تغييبه وتمييعه وتجريده من المبادئ والقيم،
فصار هذا الجيل صمّام أمان للقضية، مؤتمنًا على حقوق شعبه وأهداف ثورته، حتى أفقدوا قادة العدوّ الأمل في البقاء..
فالمجرم «نتنياهو» يصرِّح بأنه سيجتهد أن تعمِّر «إسرائيل» مائة سنة، و«بيني جاتس» يؤكد أن سيطرة الفلسطينيين على «إسرائيل» ليست بعيدة..
وجاءت عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها لتشعل الهُوية الفلسطينية في وجدان الجميع، في الداخل والخارج،
ولتبني أيديولوجيا سياسية جديدة، مرتبطة بتاريخ الأجداد، مناهضة للمحتل، داعمة للمقاومة.
وسائل التواصل الاجتماعي.. والقضية الفلسطينية
منذ بداية الحرب على «غزة» لعبت وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم دورًا مهمًّا في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية؛
ما أدّى إلى زيادة الوعي بها، والتمكين من تنظيم الحملات والمظاهرات الداعمة لها..
وساهمت منصات «السوشيال ميديا» في تحرير القضية من أسر الإعلام التقليدي الذي تسيطر عليه الصهيونية العالمية،
فكسرت بذلك الحواجز والقيود المفروضة علينا من الغرب، بل صار الصوت الفلسطيني هو الأعلى رغم ما بذل لإسكاته من المتحكّمين بهذا العالم الافتراضي.
لقد أدّى نشر الفيديوهات المأساوية من «غزة» إلى تحوُّل كبير في الرأي العام العالمي، خصوصًا في أوساط الشباب،
الذي أبدى تعاطفًا كبيرًا مع القضية، واحتشد لرفض السردية الصهيونية التي ظلت مسيطرة على الشعوب الغربية لعقود؛
ما زعزع الخطاب المؤيد للكيان، وأظهر أنظمة ومؤسسات الغرب بوجهها الحقيقي الخالي من القيم والأخلاق.
وبتأثير وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا، ولأول مرة، يكذِّب «جيل زد» في دول الغرب، وهو الجيل المولود منذ منتصف التسعينيات، الرواية الإسرائيلية،
ويتعاطف مع الفلسطينيين، ويؤمن بما آمن به أصحاب القضية أنفسهم، وقد روّعتهم مشاهد الإجرام الصهيوني في «غزة» العزة.