عامر شماخ يكتب: مصيرُ الأمنِ القومي في ظلِّ الأنظمةِ المستبدةِ
يُعرَّف الأمن القومي بأنه قدرة الدولة على تأمين قواها الداخلية والخارجية من أى مخاطر تتهددها؛ ما يضمن سلامة أراضيها ومؤسساتها القومية، أو هو: حرية الإرادة الوطنية والقرار السياسي وتأمين الخطط المستقبلية.
وللأمن القومي أبعادٌ اتفق عليها الباحثون هي البعد الداخلي المتعلق بتماسك الجبهة الوطنية والسلم الاجتماعي، والبعد الخارجي المتعلق بأطماع الدول الأخرى، فضلًا عن البعد الاقتصادي والعسكري والثقافي، والتي لا يتسع المجال لتفصيلها.
ويتعرض الأمن القومي لعدد من التحديات أو التهديدات؛ منها الوجودي، وتهديد المصالح الإستراتيجية للدولة، ووجود اضطراب سياسي وعدم استقرار داخلي، والصعوبات الاقتصادية وغيرها.
ولم يعد محلًّا لمناقشة أن الديمقراطية بأدواتها المعاصرة ضامنة للأمن القومي للدول؛ حيث هناك ارتباط عضوي بينها وبينه، وبغيابها تختلّ أبعاد هذا الأمن، خصوصًا إن كانت الدولة عُرضة لعدد من التهديدات الأخرى التي أشرنا إليها.
تتيح الديمقراطية للدولة تحقيق التنمية الشاملة، والتطور على المستويات كافة، في ظل رقابة سياسية، ومحاسبة وشفافية، وفى ظل عدم خضوع الدولة لمصالح فئة صغيرة شبيهة بالعصابة، وبما يضمن عدم تكدير السلم العام والهدوء المجتمعي.
إن غياب «المؤسساتية» يعصف بالدستور وبالقانون، ويساعد على تفشى الفساد، ولا يعطى القضايا القومية أهميتها اللائقة، وتمكين الديمقراطية يمنع كل ذلك، بل يضبط الصراعات، ويستوعب الجميع، ويحقق المطالب الشعبية المختلفة، إضافة بالطبع إلى تداول سلمى للسلطة، وتوزيع عادل للثروات.
في النظم الديمقراطية تكون الشعوب راضية عن النخب الحاكمة؛ لأجل ذلك فهي طوع أمرها في حال الشدائد والمحن، تشد أزرها، وتشاركها في أمرها، ولا تبخل عليها بتضحية أو عطاء، والعكس صحيح في النظم المستبدة، فإنها في حال الشدة تقع بين فكي العدو المتربص والشقيق الشامت، وما نبتت الشماتة إلا في أرض الكراهية التي هيأتها هذه الأنظمة من قبل.
ولم يثبت إلى الآن أن نظامًا مستبدًّا واحدًا نجح في حماية أمنه القومي بأبعاده المختلفة. وإذا كان البعض يضرب المثل بالصين، بنظامها الشمولي وفائقيتها الاقتصادية في الوقت نفسه، فنؤكد أن مصيرها سيكون كمصير الاتحاد السوفييتي الذي تفكك في مطلع التسعينيات بعد عقود من القوة الزائفة، ولا يخفى اليوم أن الصين، رغم حكمها الحديدي، تعاني نزعات انفصالية، وتغيرات اجتماعية حادة، ومناوشات حدودية لن تستوعبها طاقتها، مهما بلغت، وهو ما يفسر تواضع تطلعاتها العسكرية وطموحها التوسعي.
والنظم المستبدة لا تقف -بالطبع- مكتوفة أمام فشلها في حماية أمنها القومي؛ فهي تستبدل هزيمتها بخطابات دعائية تحمل قدرًا كبيرًا من المبالغات و«العجرفة»، وتستدعى الشعارات الوطنية الحماسية التي تدغدغ بها مشاعر العامة لإنقاذ مركزها المتهاوي، وتستعين بالفنون الدرامية والفلكلور الشعبي لخلق حالة من النصر الزائف، وتوجه أنصارها ومن تقوم باستئجارهم للاشتباك مع «عدو افتراضي» تكون قد أعدته من قبل؛ لصرف النظر عن القضية الأساس.
ليس لدى الأنظمة المستبدة ما تقدمه لقضاياها القومية بعدما استنفدت قواها في مواجهة خصومها السياسيين، فضلًا عن أن هذه القضايا ليست ذات أولوية في مقابل قضية بقائها في السلطة، وأيضًا لـ«قلة قيمتها» أمام العالم الخارجي الذي اتهمها مرات ومرات بانتهاك حقوق الإنسان؛ من أجل ذلك فهي سرعان ما تقبل الإملاءات الخارجية والرضا بأي حل يسكِّن القضية.