عامر شماخ يكتب: نكبة عام «67» وجرائم «عبد الناصر» [3]
اعترف قادة العرب بهزيمتهم في هذه الحرب في وقت مبكر، بعد تحطم دفاعاتهم وعجزهم عن صدِّ هجمات العدو الذي يواجههم على جبهاتهم الأربع؛ ففي اليوم الثالث للحرب (الأربعاء 7 من يونيو عام 1967)، أعلن الملك حسين قبوله وقف إطلاق النار مع إسرائيل استجابة لقرار مجلس الأمن رقم (234).
وفي اليوم الرابع أعلنت مصر قبولها بالقرار، أما سوريا فأعلنت قبولها بوقف إطلاق النار مساء اليوم السادس للحرب. لقد أدت هذه الاعترافات الرسمية بالهزيمة إلى حالة من الاستياء والحنق في الشارع العربي على الأنظمة السياسية وقادة الجيوش، وبات وطء الهزيمة ثقيلًا على الجميع الذين لم يبخلوا يومًا عن دعم تلك الجيوش التي خذلتهم بتلك الهزيمة المنكرة، وخدعهم قادتها الذين ما فتئوا يقيمون العروض العسكرية والمهرجانات التي تؤكد أن جيوشها لا تُقهر، فإذا بها تجرُّ أذيال الخيبة والهزيمة.
في اليوم الخامس للحرب (الجمعة 9 من يونيو 1967)، وبعد استسلام الجيش المصري والقبول بقرار مجلس الأمن رقم (234) القاضي بوقف إطلاق النار -أعلن «عبد الناصر» تنحيه عن السلطة، كما أعلن استعداده لتحمُّل المسئولية الكاملة عما جرى.
والحقيقة أن تلك كانت تمثيلية محبكة من إعداد مستشاره «محمد حسنين هيكل»؛ إذ عقب البيان خرجت الآلاف الغفيرة الرافضة لهذا التنحي، كان هؤلاء السوقة هم أعضاء الاتحاد الاشتراكي ومستأجرين آخرين من عمال مصانع الحديد والصلب وغزل المحلة وغيرهم، تم تجهيزهم قبل إلقاء الخطاب ليقوموا بهذا الدور المفضوح.
ومن المضحك أن أتوبيسات ولواري بعض المحافظات المليئة بالمتظاهرين كانت تقف على مشارف القاهرة انتظارًا للحظة إلقاء الخطاب وهي تحمل لافتاتها الرافضة لتنحي الزعيم… ونجحت التمثيلية، وبقي «ناصر» في موضعه فرعونًا مستخفًّا بشعبه حتى رحيله بعد ثلاث سنوات.. وكأن شيئًا لم يكن.
نفّذ «عبد الناصر» تلك التمثيلية متشبثًا بالسلطة حتى آخر نفس ولا زالت مرارة الهزيمة القاسية التي مُني بها الجيش المصري في اليمن حاضرة، كان «عبد الناصر» ورفقاؤه المهووسون ببريق الشهرة قد دفعوا بنصف الجيش إلى المعارك في اليمن ومعهم أكفأ الوحدات وأحدث الأسلحة، تاركين الحدود والجبهات المصرية مكشوفة أمام الصهاينة.
أرسل «عبد الناصر» (70 ألف) جندي بالمناوبة إلى ساحة المعركة في حرب خاسرة، لم يخططوا لها، ولا يعرفون عن أرضها شيئًا. لقد انسحب «عبد الناصر» وقواته من هذا المستنقع انسحابًا مخزيًا في أغسطس عام 1967، بعد مقتل (15 ألف) جندي مصري غير أضعافهم من الجرحى والمشوّهين، بعدما ضاعت هيبة مصر على المستويين الإقليمي والدولي، غير ما خلّفته الحرب من فساد واسع في الجيش، وشلل اقتصادي وأزمات داخلية.
حتى الآن لم تنته تداعيات تلك النكبة؛ إذ لا تزال إسرائيل -من موقع الشعور بالسموِّ والعظمة- تحتل الضفة الغربية، كما قامت بضم القدس والجولان لحدودها، وقد أرغمت الأنظمة المهزومة على التصالح معها، وأخذت منهم ولم تعطهم شيئًا، وَعَدَتهم بـ«الأرض مقابل السلام» فهرعوا، كل على حدة، يطبِّع معها، لكنها لم تعطهم أرضهم ولا ديارهم، ولم تعد -حسب هذا الاتفاق- إلى حدود ما قبل الحرب.
ومن موقع القوة والغطرسة أيضًا والاستهانة بخصمها الذليل ترفض إسرائيل الخضوع لعشرات القرارات الدولية بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها.