عبد الرحمن جمال يكتب: بين الديمقراطية التركية والديمقراطية الغربية
قبل ما يقارب عشرة أعوام شاركت في مهرجان للمجلات في إسطنبول نيابة عن مجلة الصحوة الإسلامية الصادرة شهريا من جامعة دار العلوم زاهدان، كانت هذه أول رحلتي إلى تركيا وكم كنت مشتاقا بزيارة تركيا الحبيبة العريقة وزيارة إسطنبول الأثيرة التي سمعت عنها الكثير في حياتي فكانت هذه الرحلة هي من أروع الرحلات التي قضيتها في إسطنبول التي يقال عنها إنها قطعة من الجنة.
كنت فضوليا أريد أن أعرف عن تركيا وعن رجالها وسر نجاحها في الأصعدة المختلفة بعد اعتلاء حزب العدالة والتنمية تحت رئاسة السيد أردوغان، فكنت أسأل الزوار وعامة الناس الذين يتشدقون شيئا من العربية عن تركيا ونظامها السياسي ومدى نجاحها لأعرف هل تركيا كما كنت أتصور هل أردوغان كما كنت أتخيله وهل التقدم والازدهار مرهون بأردوغان وحزبه وهل يحبه الإسلاميون أم غير الإسلاميين أيضا يشاركونه في المحبة ويدلون بأصواتهم له؟!
كانت تفاعلات الناس وبخاصة الشباب إيجابية، وكان أكثر ما يقولون عن أردوغان إنه بطل إنه لا يخص الإسلاميين فحسب بل هو لكل الشعب التركي. هو يخدم الشعب التركي دون الانتماء بالمذهب أو العرق أو اللون واللسان، يهمه كل الشعب التركي ويدخل في حزبه كل محب الوطن سواء كان إسلاميا أو علمانيا، وسواء كان تركيا أو كرديا أو أي عرق آخر. إنه يكرس كل جهوده ليكون الشعب التركي في رفاهية ورغد من العيش. إنه يقول: الشعب التركي أولا، وعلى هذا الأساس يتبادل التجارات ويتعامل مع الشعوب والبلاد الأخرى، هو ينافس لا لأن يملأ جيبيه وجيوب أهل حزبه بل ليملأ جيوب الشعب، هو ينافس لا لأن يكون هو وحزبه أصحاب الناطحات السحاب والسيارات الفارهة بل ليحظى الشعب بالسكن ويكون صاحب السيارة.
فعرفت سر نجاح أردوغان وحزبه في قيادة البلاد ورفع مستوى الناس الاقتصادي والمعيشي وعرفت أن الذي يعيش لغيره والذي يهمه الشعب قبل نفسه وحزبه هو الذي يتأهل لأن يكون ربانا لسفينة الشعب ليقودهم نحو الازدهار والرقي.
وعرفت الفرق بينه وبين كثير من زعماء العالم الإسلامي الذين تعاني بلادهم الفقر والبطالة والتمييز العنصري والطائفي، كيف تعيش بلادهم وكيف يمارس ضدها أنواع العنصرية والعنجهية والبربرية وكيف تحكم على أشلاء الشعوب وتتستر وراء الديمقراطية المزيفة لتبرير أعمالها الوحشية وممارساتها الهمجية.
قارنت بين عهدي تركيا قبل وبعد حزب العدالة والتنمية كيف كان الناس في ضنك من العيش وفي اضطهاد ديني، فلا دين ولا دنيا، لا علم ولا عمران، في ظل العلمانية المجحفة التي سلبت من الناس الدين والدنيا وقدمت حكومتها للغرب المعادي والخصم اللدود على طبق من ذهب وكيف فرضت القيود والأغلال على الدين والعلم وقهقرت بالشعب التركي إلى الوراء لقرون.
تنعم تركيا بالأمن والاستقرار وتشهد نموا اقتصاديا لافتا بعد أن كانت تعاني من الأزمات الاقتصادية الحادة في ظل الحكم العلماني الأتاتوركي، نتيجة التوسع الفكري وسعة الصدر الذي يتمتع به أردوغان وحزبه، نتيجة التعامل الحسن مع العالم، نتيجة الانعطاف الجيد في التعامل مع جميع الأطياف والمكونات. نتيجة الجهود الجبارة التي يبذلها أردوغان وحزبه ليل نهار لرقي البلاد وازدهارها. كل ذلك وغيره جعل تركيا واحدة من أرقى دول العالم خلال عشرين سنة بعد أن كانت في المؤخرة وفي الذيل. وأصبح العالم بما فيه سيدة العالم -على حد زعمها- أمريكا يعترفون بتفوق تركيا في الأصعدة المختلفة سواء الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية وحظيت بالمكانة الإقليمية والدولية يحسب لها حساب، بل وأصبحت عصية على كل دول العالم.
إن أكبر ما يميز أردوغان وحزبه عن سائر الأحزاب في تركيا وعن جميع القادة في العالم أنه ديمقراطي بمعنى الكلمة لا بالمعنى المزيف الذي يريده الغرب، وأصبحت تركيا في الانتخابات الأخيرة نموذجا يحتذى به في الديمقراطية الحقيقية التي ضن بها العالم. وافتقدها أدعياءها الذين يهتفون بها عندما تكون الكفة في جانبهم أما إذا طاشت كفتهم فلا! وقد فضح أردوغان في الانتخابات الأخيرة كل أدعياء الديمقراطية، وأثبت للعالم أن الإسلام هو الأليق بتطبيق الديمقراطية التي يهتفون بها. نعم كانت دولة الخلافة الراشدة نموذجا حيا من الديمقراطية التي تعطي لكل ذي حق حقه وتشارك كل الأطياف والطبقات في إدارة الأمور بغض النظر عن انتماءاتهم واعتقاداتهم.
إن سوءات الديمقراطية المزيفة التي هتف بها الغرب وخدع بها أكثر الدول العربية والإسلامية قد بدت للناس، وأصبحت الشعوب تدرك مدى خطورة وشراسة واستبداد الديمقراطية التي نادى بها الغرب. وقد ظهر ذلك جليا في الربيع العربي عندما قامت الشعوب العربية في وجه الديمقراطية المزيفة ولولا لجوء عملاء الغرب إلى الديكتاتوية وتبكيت الناس بالبطش والقوة لتبديل الربيع العربي إلى الخريف لشهدت البلاد العربية نموا وتقدما ولنعمت بالحرية والاستقلالية ولتمتعت بالأمن والاستقرار ولكن هل تسمح بذلك أمريكا وعملاءها؟
رأينا كيف طبق الغرب الديمقراطية في مصر وتونس والعراق واليمن وسوريا وليبيا، كيف دافع دفاعا مستميتا عن الديكتاتوريين وكيف بذل الغالي والنفيس لإبقاء عملاءه الديكتاتوريين على العرش، كيف زالت معاني الديمقراطية عندما كانت الكفة في صالح الشعوب!
إن ديمقراطية الغرب لا تعني إلا البطش والقهر والسطوة، لا تعني إلا غلبة القوي على الضعيف، لا تعني إلا امتصاص دماء الشعوب، لا تعني إلا الخراب والدمار، لا تعني إلا التبعية والاتكالية، لا تعني إلا الجوع والفقر والفوضى. وما يوم حليمة بسر.
أما الديمقراطية التي هتف بها حزب العدالة والتنمية تحت رئاسة السيد أردوغان تعني تطبيق الحرية بمعنى الكلمة؟، تعني الازدهار والنمو، تعني الاستقلالية وعدم الانقياد لكل من هب ودب، تعني أن يمارس كل امرئ ما يعتنق من دين ومذهب دون أن يردعه رادع، تعني أن الشعب هو الذي يقرر مصيره بنفسه وبيده دون أن يكون للحكومة أي تدخل فيما يقرره الشعب.
لا شك أن هذه التجربة التركية هي التجربة الديمقراطية الفريدة في العالم الإسلامي التي تستحق أن تحظى بعناية قادة العالم العربي والإسلامي، ولكن هل قادة الدول الإسلامية يستعدون ليجربوا هذا النوع الفريد الذي ربما يؤدي إلى انتهاء حكمهم؟!