الأمة الثقافية

“عدلُ السماء”.. شعر: محمود غنيم

تجلَّى على الأرضِ عدلُ السَّماء

يرفُّ بأجنحةٍ من ضياء

ملاكٌ يمسُّ بكف الحنانِ

جبينَ الشقيّ؛ فيمحو الشقاء

ويخفضُ للضعفاء الجناحَ

ويعصفُ كالريح بالأقوياء

ألا إنما الناسُ من آدمٍ

وآدمُ كلُّ بنيه سواء

أصيغ امرؤٌ من نُضارٍ وطيبٍ

وصيغ امرؤ من تراب وماء؟

تباركتَ ربي! أأنت قسمت

عبادك بين ذئابٍ وشاء؟

أمِن بعض خلقك أنت صنعتَ

عبيدًا، ومن بعضهم أمراء؟

ودينُك دينُ المساواة وهْوَ

من الطبقات لعمري براء

سننت الشرائعَ من أجلها

وأرسلت من أجلها الأنبياء

أيبشَمُ بالزاد جوفٌ، وجوفٌ

يعُزُّ عليه فتاتُ الغذاء؟

ويكرُع قوم عتيق المُدامِ

وقومُ إلى كأس ماءٍ ظِماء؟

ويفترشُ الخَزَّ جنبٌ، وجنبٌ

إذا نام لم يلق إلا العراء؟

إذا الفقرُ كان جزاءَ الفقير

فما بال أطفاله الأبرياء؟

وما ذنبُ طفلٍ تَخُطُّ الحياةُ

له صفحةَ البؤس قبل اللقاء؟

وما فضل طفلٍ إذا ما استهلّ

تلقتهُ في المهد أيدي الإماء؟

وما شاد هذا صروح السلامِ

ولا اعتاد ذلك سفكَ الدماء

ولو ساد في الأرض عدلُ السماءِ

لعاش الأنام بها سعداء

لقد جلب الفقر حبُّ الغنى

وعجَّل بالموتِ حبُّ البقاء

وما ضنَّ بالدَّر ضرعُ السحاب

ولا شحَّ بطنُ الثرى بالنَّماء

ولا شكَت الأرض من حملها

ولا ضاق بالناس رحبُ الفضاء

ولكن تفشّى السُّعارُ، فكان

ضحيَّةَ هذا السُّعار الرخاء

تباركتَ يا بارئ الكائناتِ!

لكَ الأرضُ تورثُها من تشاء

تحكَّم في أرضك المالكون

وشنُّوا الحروب على الأُجراء

فلما قضيتَ بردِّ الحقوق

إلى أهلها، أجهَشُوا بالبُكاء

لحُكمك هم أعلَنوا كارهين

ولو قدرُوا ناصَبُوك العداء

ألا أيُّها المالكون، كأنِّي

بكم تتحدَّون حُكم القضاء

وللهِ في العدل سرٌّ خفيٌّ

دعوني أُزلْ عنه بعضَ الخفاء

رضاءُ المكافح عنكم ثراءٌ

إذا فاتكم فأنتٌ من ثراء

ولن تأمنُوا شرَّهَ الجائعينَ

إذا السُّخطُ حلَّ محلَّ الرضاء

وكم أهلك المالُ من حَازهُ

إذا المالُ لم يقترن بالسخاء

دعُوا الأرض يملكُها الكادحون

فما خُلقت لسوى هؤلاء

هم استخرجوا التِّبر من بطنها

وعاشوا على ظهرها أُسراء

همو قطعٌ من ثراها تَدبُّ

عليها، وهُم صحبُها الأوفياء

مساكنُم هي طول الحياةِ

وأجداثُهم هي بعد الفناء

وشاطئهُم إذْ يحلُّ المصيفُ

ومدفؤهم إذ يحلُّ الشتاء

وديوانهم هي عند الصباحِ

ومضجعهم هي عند المساء

إذا ما غفوا فهْيَ نعم الوسادُ

ونعم الوِطاءُ، ونعم الغطاء

ومن تُربها يُنضجون الطعامَ

ومن عشبها يَنسجون الرداء

يعيشون، ليس لهم في سواها

ولا في سوى من دحاها رجاء

وإن أجهدت زراعًا أرضهُ

فأعيا، شفته بطيب الهواء

ولم يلتمس من سواها علاجًا

فكانت هي الداءَ وهْي الدواء

لأنعامها ودُّهُ صافيًا

ويا رُبَّ ودٍ بغير صفاء

وتهفو السَّوامُ إليه، كما

هفا الأصدقاء إلى الأصدقاء

ويقنعُ من عيشه بالكفاف

ويجزي عليه بحسن الثَّناء

ويدعو السماءَ لمن حرَّروهُ

فتفتحُ أبوابها للدعاء

أيا حارثَ الأرض، ما نُؤتَ يومًا

بما لو تحمَّله الطَّودُ ناء

صبرتَ على عنت الدهر دهرًا

طويلاً، فجُوزيتَ حُسن الجزاء!

دعوتَ جمالاً، فلبَّى جمالٌ

ومن كجمالٍ يلبِّي النداء؟

إذا الضُّعفاء أهابوا به

يَهبُّ إلى نجدة الضعفاء

وتمضى به عزمةٌ من حديدٍ

تُفسِّرُ للسهم معنى المضاء

إذا ما مشى قُدمًا في الطريق

فلن يتلفَّتَ نحو الوراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى