علاء أبو بكر يكتب: ترامب.. واجهة تيار يعيد تشكيل أمريكا

دخل ترامب في صراع مع “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة، التي تشمل مجموعة من المؤسسات الحكومية والخاصة التي تهيمن على صنع القرار السياسي والاقتصادي، ومما يجدر ذكره أن على رأس المكونات التي تشكل الدولة العميقة مجمع الصناعات الأمريكية ووسائل الإعلام الرئيسة (Mainstream Media)، التي تمتلك تأثيرًا كبيرًا في تشكيل الرؤى السياسية والإعلامية في البلاد، وغيرهما.
وقد اعتمد ترامب بشكل كبير على الأسس النظرية التي وضعها مستشاره السابق ستيف بانون، الذي أدى دورًا محوريًّا في تشكيل أيديولوجية الحركة التي يقودها ترامب، فبانون، المعروف بفكره ضد المؤسسة التقليدية، كان له تأثير كبير في توجيه ترامب نحو تغيير بنية الدولة العميقة، وتحويلها إلى مؤسسة جديدة تتَّسم بسياسات مغايرة تستهدف إعادة تشكيل هياكل القوة والنفوذ في أمريكا.
بهذا التوجه، يسعى ترامب إلى قيادة تيار سياسي واسع يتحدى الثوابت التقليدية، ويهدف إلى تحويل مؤسسات الدولة الأمريكية الكبرى بما يتماشى مع رؤيته الجديدة التي تعتمد على محاربة الهيمنة التقليدية لصالح بناء قوة سياسية جديدة.
أقسام تيار ترامب:
ينغي علينا معرفة أن ترامب يمثل واجهة لتيار عريض، وأن مكونات هذا التيار تتشكل من ثلاثة أقسام رئيسة:
القسم الأول: هو تيار (MAGA) (الحركة التي تدعو لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى)، وهو تيار شعبوي معارض للهجرة، ويستند إلى فكرة أن الهجرة تؤثر سلبًا على فرص العمل في السوق الأمريكي، خصوصًا للطبقات العاملة البيضاء، هذا التيار يعتمد على الخطاب الشعبوي الذي يربط بين الهجرة والبطالة، محاولًا إقناع الأمريكيين بأن سياسات الهجرة المفتوحة تسهم في تفشي البطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية، يُعزِّز هذا التوجُّه من رغبة ترامب في فرض سياسات صارمة بشأن الهجرة، مع التركيز على إعادة “توظيف” القوة الاقتصادية الأمريكية لصالح المواطنين الأمريكيين بشكل حصري.
القسم الثاني من تيار ترامب: هو التيار المسيحي المحافظ، الذي يكتسب دعمه من مجموعة من المسيحيين الإنجيليين الذين يعتبرون أنفسهم المدافعين عن القيم التقليدية في أمريكا، هذا التيار يولي أهمية كبيرة لقضايا مثل حماية الحياة (مناهضة الإجهاض)، وكذلك يتبنى مواقف صارمة ضد الشذوذ والمثلية، مروجًا للعودة إلى القيم المحافظة التي تعتبرها هذه الجماعات ركائز أساسية.
كما يرتبط هذا القسم بشكل وثيق مع اللوبي الصهيوني الذي يؤثر بشكل كبير في السياسة الأمريكية، حيث ينادي هذا التيار بتأييد كامل للاحتلال الإسرائيلي ويعتبر دعم إسرائيل جزءًا أساسيًّا من الالتزام الديني والأخلاقي.
يعمل هذا التحالف على دفع سياسات مؤيدة لإسرائيل، بالإضافة إلى تبني مواقف متشدِّدة ضد الفلسطينيين وتعزيز مشاريع الاستيطان، كما يختلف هذا التيار عن التيار المحافظ الجديد، حيث لا يدعو إلى التوسُّع في الهيمنة العسكرية الأمريكية على العالم، بل يركز على تعزيز الأوضاع الداخلية.
القسم الثالث من تيار ترامب: يتكوَّن من طبقة رجال الأعمال، وخصوصًا أولئك الذين ينشطون في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، مثل إيلون ماسك (مالك تسلا وسبيس إكس)، جيف بيزوس (مؤسس أمازون ومالك “واشنطن بوست”)، ولاري فينك مدير شركة بلاك روك لخدمات الاستثمار.
هؤلاء الأفراد وغيرهم يمتلكون تأثيرًا واسعًا في الاقتصاد العالمي، ويتسم نهجهم الاقتصادي بالتركيز على المصالح الربحية العابرة للحدود، حيث يفضلون تجنُّب التصعيد مع الدول القوية لتجنب تعريض مصالحهم الاقتصادية للخطر، ويحرصون على استقرار العلاقات الاقتصادية العالمية لتحقيق أقصى استفادة من الفرص المتاحة، لتركز الولايات المتحدة على تعزيز اقتصادها في الجزء الغربي من العالم، مع ترك مساحة للتعاملات الاقتصادية في مناطق مثل روسيا والصين تمكن تلك الشركات من حرية العمل وتحقيق الأرباح في هذه المناطق