علاء سعد حميده يكتب: المقاطعة الاقتصادية والفرانشيز والاقتصاد المحلي
النشاط لاقتصادي في الحياة يقوم على عاملين أساسيين، الندرة والاحتياج، فالناس لا تبيع ولا تشتري الهواء لأنه متوفر بلا ندرة ومشاع لا يملكه طرف دون آخر. والناس لا تشتري إلا ما تحتاج إليهن قد تختلف الحاجة فمنها حاجات أساسية ومنها حاجات كمالية أو ترفيهية أو ترفية، لكنها تشترك في أنها حاجات.
إذا دخلت حضرتك متجرا لبيع مختلف السلع ووجدت عرضا ترويجية لبيع طعام القطط والكلاب بأسعار زهيدة جدا، وأنت لا تقتني قطة أو كلبا، ولا تعرف صديقا أو جارا يهتم بتربية القطط أو الكلاب، لن تشتري السلعة رغم جودتها وعلاماتها التجارية ورخص سعرها. فما لا نحتاجه لا يكون له قيمة ولذلك لا نشتريه.
ولذلك يقوم علم التسويق على صنع الاحتياجات لدى البشر ليقبلون على السلعة، إما بالتعريف بمنفعتها المادية، أو بصناعة شعور نفسي شغفي تجاهها يدفع المستهلك لشرائها مقابل المال.
إشباع الاحتياجات يأتي قبل البراندنج إذن! وفكرة البدائل تقوم على قدرة هذه البدائل في إشباع حاجات المستهلك.
المستهلك في مجتمعنا يحتاج مثلا إلى صلصة الطماطم المعلّبة التي تدخل كبديل للطماطم الطازجة -متقلبة الأسعار حسب مواسم زراعتها- في تجهيز مختلف أنواع وجبات الطعام ولا يمكن الاستغناء عنها، ويحتاج بقدر أقل إلى مختلف العصائر وإلى شرائح البطاطس المقلية، ويحتاج بشكل نفسي إلى الشاي والقهوة والنسكافيه، والمشروبات التي تحتوي على الكافيين لضبط المزاج، ويحتاج بدرجة ما إلى وجبات الطعام الجاهزة التي تقدمها المطاعم كأنواع الدجاج والبيتزا وغيرها، ويحتاج بشكل شبه ترفيهي إلى المرطبات الغازية والشيكولاتات وغيرها من السلع الغذائية.
إن كل احتياج من هذه الاحتياجات يقوم إشباعها على توافر عدد من البدائل، يعمل التسويق -الماركتنج- وصناعة البراندج العالمي، على تفضيل بديل على آخر، وليست الجودة في المقام الأول، إذ تقوم عملية الشراء أساسا على الإشباع النفسي المعنوي قبل الاحتياج المادي، فدعوتك لصديق لاحتساء فنجان قهوة في «ستاربكس» يختلف معنويا عن دعوته لتناولها في مكان محلي آخر ولو كان جودة المشروب المقدم في المقهى المحلي يقترب مما يقدمه «ستاربكس»!
في ظل الدعوات المتصاعدة والناجعة للمقاطعة الاقتصادية للماركات العالمية التي تدعم الكيان الصهيوني أو تتعاطف معه أو لا تدين جرائمه في حق الإنسانية إدانة واضحة، ما الذي يحدث لإشباع الحاجات الاقتصادية لأفراد المجتمع؟ هل تختفي هذه الاحتياجات كليا مما يؤثر على حركة الاقتصاد الوطني كما يروج الرافضون لدعوات المقاطعة؟
في الحقيقة لا تختفي الحاجات الاقتصادية للمجتمع خاصة الضرورية منها، والذي يحدث هو بحث المجتمع عن البدائل محلية الصنع، فيختفي تأثير البراندج وتظهر القيمة الحقيقية والجودة الفعلية للمنتج الذي يلبي هذه الاحتياجات، وبالتالي يظل استهلاك المجتمع لمعلبات صلصة الطماطم في نفس مستوى معدل الاستهلاك الاعتيادي، مع اختلاف نسبة المبيعات لصالح المنتج الوطني. إذن حركة بيع الصلصة لن تتأثر والناتج الاقتصادي من عملية بيع الصلصة لن يتأثر، ستتأثر مصانع الإنتاج المحلي بزيادة الطلب وبالتالي زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة الأرباح، ويحدث العكس مع منتجات الشركات العالمية متعددة الجنسيات. إذن الناتج الاقتصادي نفسه لا يتأثر بالسلب بل بالإيجاب.
ماذا يحدث للعمالة التي تعمل في مصانع وشركات الفرانشيز الوطني –الوكلاء المحليون- للماركات العالمية على المدى القريب والمتوسط؟
يقل الطلب على منتجات تلك الماركات، مما يدفع الفرانشيز إلى تسريح بعض العمالة، وتخفيض رواتب ودخول البعض الآخر. هذا من جانب في المقابل تحتاج المصانع المحلية التي حدث إقبال كبير على إنتاجها المحلي إلى زيادة الإنتاج وتوسيع العمل، وبالتالي تتوسع في تشغيل العمالة، وستستقطب بطبيعة الحال العمالة التي تم تسريحها من مصانع الفرانشيز، وذلك لتوافر الخبرة والكفاءة لديها، ولذلك لن تتأثر العمالة المحلية فعليا من استبدال إنتاج مصانع الفرانشيز، بإنتاج مصانع المنتج الوطني بالكامل.
المتضرر المحلي الوحيد من عملية المقاطعة الاقتصادية هم طبقة الفرانشيز أنفسهم، وهؤلاء جميعا من كبار رجال المال والاقتصاد ويستطيعون بسهولة تصحيح مسارهم إما بتحويل مصانعهم إلى مصانع إنتاج محلية بفك الشراكة بينهم وبين أصحاب الماركات التجارية العالمية وهو أمر ميسور يرفع الاقتصاد المحلي ولا يخفضه، أو بشراء مصانع محلية قائمة بالفعل، أو بتحويل أنشطتهم الاقتصادية إلى مجالات أخرى.
المقاطعة الاقتصادية رسالة شعبية للعالم لا تؤثر سلبيا على الاقتصاد المحلي بل تؤثر إيجابيا لمصلحة اقتصادنا الوطني وقضايانا القومية العادلة.